تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيۡرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنۡ إِذَا دُعِيتُمۡ فَٱدۡخُلُواْ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُواْ وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ يُؤۡذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسۡتَحۡيِۦ مِنكُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا يَسۡتَحۡيِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزۡوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا} (53)

آداب دخول البيت النبوي

{ يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبيء إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذالكم كان يؤذي النبيء فيستحيي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ذالكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذالكم كان عند الله عظيما( 53 ) إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما( 54 ) لا جناح عليهن في ءابآئهن ولا أبنآئهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا( 55 ) }

المفردات :

غير ناظرين إناه : غير منتظرين إدراكه ونضجه وأنى هو مصدر أنى يأتنى أي أدرك وحان نضجه .

فإذا طعمتم : أكلتم .

مستأنسين لحديث : مستمعين لحديث أهل البيت أو لبعضكم بعضا .

إن ذلكم : المكث أو البث .

فيستحيي منكم : من إخراجكم .

متاعا : المتاع هو كل ما ينتفع به كالطعام والثياب وأثاث البيت وغيره .

من وراء حجاب : وهو الساتر لأنه يمنع من المشاهدة .

أطهر : أزكى وأنقى للريبة وسوء الظن .

53

التفسير :

{ يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبيء إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه . . . } .

إذا دعاكم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى طعام فلا تأتوا قبل الميعاد المتعارف عليه أو قبل معرفة أن الطعام قد تم نضجه وإعداده حيث يكون أصحاب البيت في انشغال بالطعام وفي ثياب البذلة والمهنة ، وحضوركم مبكرين يجعل أصحاب البيت ينشغلون بكم ويتكلفون الحديث من أجلكم ومعنى : { غير ناظرين إناه . . . } غير منتظرين إدراكه ونضجه .

قال ابن كثير حظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذن كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام حتى غار الله لهذه الأمة فأمرهم بذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة فإذا دعي المؤمن إلى طعام لبى الدعوة وليحذر الحضور قبل الميعاد كما يحذر الجلوس بعد الميعاد حيث يشغل صاحب المنزل إلا لحاجة ماسة .

روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرسا كان أو غيره " . 60

وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لو دعيت إلى ذراع لأجبت ولو أهدى إلى كراع لقلبت ، فإذا فرغتم من الذي دعيتم إليه فخففوا عن أهل المنزل وانتشروا في الأرض " . 61

{ ولكن إذا دعيتم فادخلوا . . . }

أي إذا قدمت لكم الدعوة فلبوا الدعوة وادخلوا البيت .

{ فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث . . . } .

فإذا أكلتم الطعام فاخرجوا من البيت ولا تمكثوا فيه لتتبادلوا ألوان الحديث وفنونه المختلفة قال أبو حيان : نهوا أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لحديث يحدثه به .

{ إن ذالكم كان يؤذي النبيء فيستحيي منكم . . . }

إن ذلك المكث في المنزل بعد الطعام يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم حيث يمنعه من تصريف مصالحه والعناية بشؤونه وهو مسئول عن أسرته وعن شئون المسلمين وكان صلى الله عليه وسلم لشدة حيائه يستحيي أن يأمرهم بالانصراف لخلقه الرفيع وقلبه الرحيم .

{ والله لا يستحيي من الحق . . . }

والله جل جلاله وعلا لا يترك بيان الحق ولا يمنعه مانع من إظهار الحق وتبيانه لكم .

قال القرطبي هذا أدب أدّب الله به الثقلاء .

وقال الثعلبي : حسبك من الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم .

{ وإذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب . . . }

وإذا أردتم حاجة من أزواجه الطاهرات فاطلبوها من وراء ساتر .

وقد نزلت هذه الآية في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة وهي مما وافق تنزيلها قول عمر كما في الصحيحين عنه قال : وافقت ربي عز وجل في ثلاث : قلت : يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله : { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى . . . } . ( البقرة : 125 ) وقلت : يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو احتجبن فأنزل الله آية الحجاب : { وإذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب . . . } . وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما تمالأن عليه : { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن . . . } ( التحريم : 5 ) . فنزلت كذلك .

{ ذالكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن . . . } .

أي هذا الذي شرعته لكم من الدخول بالإذن والخروج عقب الطعام دون الاستئناس بالحديث وطلب الأشياء من وراء حجاب أطهر وأطيب للنفوس وأبعد عن الريبة والتهمة ، وأكثر طمأنينة للقلوب من الهواجس والوساوس الشيطانية .

{ وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا . . . }

لقد أمر الله المؤمنين بتوقير الرسول وتعظيمه ومناصرته ونهى المسلمين عن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وإزعاجه وإقلاق راحته ومثال ذلك ما ورد النهي عنه في سورة الحجرات من التقدم عليه أو رفع الصوت عليه أو مناداته من وراء الحجرات وهنا أدب الله المسلمين بعدم دخول بين النبي إلا بالإذن وعند نضوج الطعام ، إذا كانت الدعوة إلى طعام وعدم إطالة المكث بعد الأكل وإذا طلبوا شيئا من زوجاته طلبوه من وراء حجاب وبين أن مثل هذه الأمور مما يؤذي رسول الله ، وما ينبغي لمؤمن أن يؤذي الرسول أي إيذاء كما ينبغي للمؤمنين توقير زوجاته فهن أمهات المؤمنين فينبغي احترامهن احترام الأم ولا يحل لمؤمن أن يتزوج زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم سواء أكان ذلك في حياته أو بعد وفاته .

{ إن ذالكم كان عند الله عظيما } .

أي إيذاء الرسول بأي نوع من أنواع الإيذاء أو زواج زوجاته من بعده كان في حكم الله تعالى من الكبائر المحرمات التي لا ذنب أعظم منها .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيۡرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنۡ إِذَا دُعِيتُمۡ فَٱدۡخُلُواْ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُواْ وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ يُؤۡذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسۡتَحۡيِۦ مِنكُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا يَسۡتَحۡيِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزۡوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا} (53)

{ لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام } سبب هذه الآية ما رواه أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش أولم عليها فدعا الناس ، فلما طعموا قعد نفر في طائفة من البيت فثقل ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فخرج ليخرجوا بخروجه ومر على حجر نسائه ثم عاد فوجدهم في مكانهم ، فانصرف فخرجوا عن ذلك ، وقال ابن عباس : نزلت في قوم كانوا يتحينون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الطعام فيقعدون إلى أن يطبخ ثم يأكلون ولا يخرجون ، فأمروا أن لا يدخلوا حتى يؤذن لهم ، وأن ينصرفوا إذا أكلوا ، قلت : والقول الأول أشهر ، وقول ابن عباس أليق بما في الآية من النهي عن الدخول حتى يؤذن لهم ، فعلى قول ابن عباس في النهي عن الدخول حتى يؤذن لهم ، والقول الأول في النهي عن القعود بعد الأكل ، فإن الآية تضمنت الحكمين .

{ غير ناظرين إناه } أي : غير منتظرين لوقت الطعام ، والإنا الوقت ، وقيل : إنا الطعام نضجه وإدراكه ، يقال : أنى يأنى إناء .

{ ولكن إذا دعيتم فادخلوا } أمر بالدخول بعد الدعوة ، وفي ذلك تأكيد للنهي عن الدخول قبلها .

{ فإذا طعمتم فانتشروا } أي : انصرفوا ، قال بعضهم : هذا أدب أدّب الله به الثقلاء ، وقالت عائشة رضي الله عنها : " حسبك من الثقلاء أن الله لم يحتملهم " .

{ ولا مستأنسين لحديث } معطوف على غير ناظرين ، أو تقديره ولا تدخلوا مستأنسين ، ومعناه النهي عن أن يطلبوا الجلوس للأنس بحديث بعضهم مع بعض ، أو يستأنسوا لحديث أهل البيت ، واستئناسهم : تسمعهم وتجسسهم .

{ إن ذلكم كان يؤذي النبي } : يعني جلوسهم للحديث أو دخولهم بغير إذن .

{ فيستحيي منكم } تقديره يستحي من إخراجكم ، بدليل قوله : { والله لا يستحي من الحق } أي : إن إخراجكم حق لا يتركه الله .

{ وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } المتاع الحاجة من الأثاث وغيره ، وهذه الآية نزلت في احتجاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وسببها ما رواه أنس من قعود القوم يوم الوليمة في بيت زينب ، وقيل : سببها أن عمر بن الخطاب أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يحجب نساءه فنزلت الآية موافقة لقول عمر ، قال بعضهم : لما نزلت في أمهات المؤمنين { إذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } كن لا يجوز للنساء كلامهن إلا من وراء حجاب ، ولا يجوز أن يراهن متنقبات ولا غير متنقبات ، فخصصن بذلك دون سائر النساء .

{ ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } يريد أنقى من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء والنساء في أمر الرجال .

{ ولا تنكحوا أزواجه } سببها أن بعض الناس قالوا لو مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة فحرم الله على الناس تزوج نسائه بعده كرامة له صلى الله عليه وسلم .