تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

المفردات :

كادح : جاهد في عملك إلى لقاء ربك ، والكدح ، جهد النفس في العمل والكدّ فيه .

فملاقيه : فملاق جزاء عملك لا محالة .

التفسير :

6- يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه .

يا أيها الإنسان ، أي الإنسان مؤمنا كان أم كافرا ، إنك كادح . أي : عامل في الحياة ، ومجاهد ومجدّ في عملك ، وستلقى جزاء عملك عند لقاء ربك ، والآية إيجاز مبهر لمسيرة الإنسان في هذه الحياة ، فأنت مستخلف عن الله في الأرض ، وأمامك فرصة لن تعوّض من أجل كدح وعمل ، ستلقى جزاءه عند لقاء ربك ، أو عند ميزان عملك .

فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرّة شرا يره . ( الزلزلة : 7 ، 8 ) .

لقد أوجدك الله في الدنيا ، وأعطاك العقل والإرادة والاختيار ، ومعك الشهوة والرغبة ، والقدرة على الطاعة أو المعصية ، وأن تكون شاكرا أو كفورا ، وستلقى جزاء ما قدّمت يداك .

والكدح : جهد النفس في العمل حتى تتأثر .

روى أبو داود الطيالسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( قال جبريل : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميّت ، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه ) .

قال المفسرون :

فملاقيه . يعود الضمير إلى العمل من خير أو شر ، وقيل : يعود الضمير إلى قوله : ربك . أي : أي فملاق ربك ، ومعناه : فيجازيك بعملك ، ويكافئك على سعيك .

وقيل : المراد بهذه الآية أبيّ بن خلف ، كان يكدح في طلب الدنيا وإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم ، وللإصرار على الكفر .

وعلماء القرآن يقولون : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، والآية عامة تشمل كل إنسان ، وسيلقى كل عامل جزاء عمله ، فاليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

كادح : عامل بجد ومشقة ، كدح في العمل كَدحا : سعى ، وأجهد نفسَه ، وعملَ خيراً أو شرّا ، وكدحَ لِعياله : كسبَ لهم بمشقة .

فملاقيه : فسوف تجدُ عملَك أمامك مسجلاً في سِجلٍّ دقيق ، لا ينسى شيئا .

بعد هذه المقدمة الهائلة أخبرَ اللهُ تعالى عن كدِّ الإنسانِ ، وتعبه في هذه الحياة .

{ يا أيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ } .

يا أيها الإنسانَ الغافل عن مصيره ، لا تظنَّ أنك خالد ، كلاّ إنك مُجِدٌّ في السيرِ إلى ربك ، وراجع إليه يومَ القيامة ، وإن كلَّ عملٍ عملتَه ، خيراً أو شراً ، سوف تُلاقيه أمامك في سجلٍّ دقيق ، وسَيُجازيك ربُّك على كَدْحِك من ثوابٍ وعقاب .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

ولما كان الجواب ما ذكرته ، أتبعه شرحه فقال منادياً بأداة صالحة للبعد لأن المنادى أدنى الأسنان بادئاً بالأولياء لأن آخر التطفيف الذي هذا شرح له إدخال السرور عليهم : { يا أيها الإنسان } أي-{[72341]} الآنس بنفسه الناسي لربه . ولما كان أكثر الناس منكراً للبعث أكد فقال : { إنك كادح } أي ساع وعامل مع الجهد لنفسك من خير أو شر ، وأكثره مما يؤثر خدوشاً وشيناً وفساداً وشتاتاً ، منتهياً { إلى ربك } الذي أوجدك ورباك بالعمل بما يريد معنىً وبالموت حساً ، وأشار إلى اجتهاد كل فيما{[72342]} هو فيه وخلق له بالتأكيد بالمصدر فقال : { كدحاً } أي عظيماً { فملاقيه * } أي فمتعقب كدحك لقاؤك لربك ، وأنه ينكشف لك أنك كنت في سيرك إليه كالمجتهد في لقائه اجتهاد من يسابق في ذلك آخر ، وكل ذلك تمثيل لنفوذ إرادته ومضي أقضيته بسبب الانتهاء إليه ، وحقيقته تلاقي جزاءه {[72343]}وينكشف{[72344]} لك من عظيم أمره ما-{[72345]} ينكشف للملاقي مع من{[72346]} يلقاه بسبب اللقاء ، وهذا أمر أنت ساع فيه غاية السعي لأن من كان الليل والنهار مطيتيه أوصلاه بلا شك إلى منتهى سفره شاء أو أبى ، فذكر هذا على هذا النمط حث على الاجتهاد في الإحسان في العمل لأن من أيقن بأنه{[72347]} لا بد له{[72348]} من العرض على الملك أفرغ جهده في العمل بما{[72349]} يحمده عليه عند لقائه .


[72341]:من ظ و م، وفي الأصل: لبعث.
[72342]:من ظ و م، وفي الأصل: فيها.
[72343]:من ظ و م، وفي الأصل: ثم ينكشف.
[72344]:من ظ و م، وفي الأصل: ثم ينكشف.
[72345]:زيد من ظ و م.
[72346]:من ظ و م، وفي الأصل: ما.
[72347]:من ظ و م، وفي الأصل: إنه.
[72348]:سقط من ظ و م.
[72349]:من ظ و م، وفي الأصل: على ما.