تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

57

المفردات :

مثلا : حجة وبرهانا .

يصدون : يصيحون ويرتفع لهم ضجيج وفرح .

التفسير :

57- { ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون } .

ضرب عبد الله بن الزبعري المثل بعيسى ، حيث إنه يعبد من دون الله ، وعزير تعبده اليهود ، ومن العرب من عبد الملائكة ، وقال : إنهم بنات الله .

قال ابن الزبعري : إن كانت الملائكة وعزير وعيسى ابن مريم في النار ؛ فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم ، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم انتظارا للوحي ، فظنوا أنه ألزم الحجة ، فضحك المشركون وضجوا وارتفعت أصواتهم .

وأنزل الله تعالى : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون } . ( الأنبياء : 101 ) .

أي : عزير والملائكة وعيسى في الجنة مبعدون عن النار ، ونلاحظ أن القرآن عندما أشار إلى أن من عبد صنما أو وثنا من دون الله أدخل العابد والمعبود إلى جهنم ، قال : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } . ( الأنبياء : 98 ) .

فالقرآن هنا يتحدث عن الأصنام ، لأن هناك قاعدة في اللغة العربية تقول : إن ( من ) اسم إشارة للعاقل ، و( ما ) اسم إشارة لما لا يعقل ، فالقرآن قال : { إنكم وما تعبدون . . . } أي أن القرآن لم يرد المسيح ولا عزيرا ولا الملائكة ، وإن كانوا معبودين .

ثم إن الملائكة عباد مكرمون ، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وعيسى عبد الله ورسوله ، أنعم الله عليه بالرسالة والمعجزات ، وعزير رجل صالح من بني إسرائيل ، ركب حماره وسار وسط قرية قديمة متهالكة ، قبورها دارسة ، قد أدركها البلى والقدم والتآكل ، فاستبعد عليها البعث والحياة مرة أخرى ، فأماته الله مائة عام ثم بعثه ، وأطلعه على بعث حماره ، وحفظ طعامه طوال مائة عام ؛ 12 فقال : { أعلم أن الله على لك شيء قدير } . ( البقرة : 259 ) .

وخلاصة المعنى :

عندما حاول عبد الله بن الزبعري أن يضرب مثلا بعيسى ابن مريم ، قائلا : إذا كان عيسى ابن مريم في جهنم لأنه عُبد من دون الله ، فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه ، عندئذ فرح كفار مكة بذلك ، واشتد صدودهم وإعراضهم .

قال ابن عباس :

{ إذا قومك منه يصدون } . أي : يضحكون ، أعجبوا بذلك .

وقال قتادة : يجزعون ويضحكون ، أي : صنعوا ضجة وفرحا وضحكا لزعمهم أنهم انتصروا على محمد في الجدال .

وقال النخعي :

{ إذا قومك منه يصدون } . أي : يعرضون .

ولعل من إعجاز القرآن اشتمال الآية على المعنيين : فهم سخروا وضجوا وضحكوا من جهة ، وأعرضوا عن الإسلام من جهة أخرى .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

يصدّون : يصيحون ويضجّون .

لقد جادل مشركو قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم جدلا كثيرا ، من ذلك أن الرسول الكريم لما تلا عليهم : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] قال له عبدُ الله بن الزِبِعْرَي - وهو من شعراء قريش وقد أَسلمَ وحسُنَ إسلامه فيما بعد- : أليس النصارى يعبدون المسيح وأنتَ تقول كان عيسى نبياً صالحاً ، فإن كان في النار فقد رضينا . فأنزل الله تعالى بعد ذلك : { إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [ الأنبياء : 101 ] .

وجادلوه بعد ذلك كثيرا ، ولذلك يقول الله تعالى :

{ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ }

لما بين الله وَصْفَ عيسى الحقَّ من أنه عبدٌ مخلوق ، وعبادتُه كفرٌ ، إذا قومك أيها النبي يُعرِضون عن كل هذا .

قراءات :

قرأ الكسائي ونافع وابن عامر : يصُدون بضم الصاد . والباقون : بكسرها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

{ 57-65 } { وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ }

يقول تعالى : { وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا } أي : نهي عن عبادته ، وجعلت عبادته بمنزلة عبادة الأصنام والأنداد . { إِذَا قَوْمُكَ } المكذبون لك { مِنْهُ } أي : من أجل هذا المثل المضروب ، { يَصِدُّونَ } أي : يستلجون في خصومتهم لك ، ويصيحون ، ويزعمون أنهم قد غلبوا في حجتهم ، وأفلجوا .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

قوله تعالى : { ولما ضرب ابن مريم مثلاً } قال ابن عباس وأكثر المفسرين : إن الآية نزلت في مجادلة عبد الله بن الزبعري مع النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى عليه السلام ، لما نزل قوله تعالى : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم } ( الأنبياء-98 ) ، وقد ذكرناه في سورة الأنبياء عليهم السلام . { إذا قومك منه يصدون } قرأ أهل المدينة والشام والكسائي : يصدون بضم الصاد ، يعني يعرضون ، نظيره قوله تعالى : { يصدون عنك صدوداً } ( النساء-61 ) وقرأ الآخرون بكسر الصاد . واختلفوا في معناه ، قال الكسائي : هما لغتان مثل يعرشون ويعرشون ، وشد عليه يشد ويشدو ، ونم بالحديث ينم وينم . وقال ابن عباس : معناه يضجون . وقال سعيد بن المسيب : يصيحون . وقال الضحاك : يعجون . وقال قتادة : يجزعون . وقال القرظي : يضجرون . ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون يقولون ما يريد منا محمد إلا أن نعبده ونتخذه إلهاً كما عبدت النصارى عيسى .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

{ ولما ضرب ابن مريم مثلا } نزلت هذه الآية حين خاصمه الكفار لما نزل قوله تعالى { إنكم وما تعبدون من دون الله } الآية فقالوا رضينا أن تكون آلهتنا بمنزلة عيسى فجعلوا عيسى عليه السلام مثلا لآلهتهم فقال الله تعالى { ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون } أي يضجون وذلك أن المسلمين ضجوا من هذا حتى نزل قوله تعالى { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون }

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ} (57)

فقد جعل الله عيسى عليه الصلاة والسلام مثلاً لتمام قدرته على اختراع الأشياء بأسباب وبغير أسباب ، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأزهدهم وأقربهم إلى الخير وأبعدهم عن الشر ، فاقتدى به من أراد الله به الخير في مثل ذلك فاهتدى به ، وضل به آخرون وضربوا به لأنفسهم أمثال الآلهة ، وصاروا يفرحون بما لا يرضاه عاقل ولا يراه ، وضربه قومك مثلاً لآلهتهم لما أخبرنا أنهم معهم حصب جهنم وسروا بذلك وطربوا وظنوا أنهم فازوا وغلبوا : { ولما ضرب ابن مريم } أي ضربه ضارب منهم { مثلاً } لآلهتهم { إذا قومك } أي الذين أعطيناهم قدرة على القيام بما يحاولونه { منه } أي ذلك المثل { يصدون } أي يضجون ويعلون أصواتهم سروراً بأنهم ظفروا على زعمهم بتناقض ، فيعرضون به عن إجابة دعائك ، يقال : صد عنه صدوداً : أعرض ، وصد يصد ويصل : ضج - قاله في القاموس ، فلذلك قال ابن الجوزي : معناهما جميعاً - أي قراءة ضم الصاد وقراءة كسرها - يضجون ، ويجوز أن يكون معنى المضمومة : يعرضون ، قال ابن برجان : والكسر أعلى القراءتين - انتهى .