{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( 5 ) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 6 ) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ( 7 ) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ( 8 ) }
مثل الذين حملوا التوراة : صفة اليهود الذين كلّفوا العمل بالتوراة .
ثم لم يحملوها : ثم لم يعملوا بها .
يحمل أسفارا : كتبا عظاما ، ولا ينتفع بها .
5- { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } .
إن شبه اليهود الذين تركوا العمل بالتوراة بعد أن أنزلها الله عليهم ، وأمرهم بالعمل بها وتنفيذ أحكامها ، كشبه الحمار الذي يحمل الكتب الكبيرة المشتملة على صنوف العلوم والمعارف ، ولا يفهم شيئا منها ، ولا تفرقة عنده بين حمل كتب العلم أو حمل الأحجار .
ووجه الشبه هو حرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع قربه من الإنسان ، فما أقبح العالم الذي يحوي العلوم ولا يحاول تطبيقها وتنفيذها .
{ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } .
بشّرت التوراة بأحمد ، وذكرت أنه نبي أمي يُبعث في أمة أمية ، وأمرت بالإيمان به وتصديقه ، فلما أرسله الله ، وكان اليهود يستفتحون بهذا النبي ، كفروا به وقالوا : إنه مرسل إلى العرب خاصة ، وكذّبوا بآيات الله التي دعتهم إلى الإيمان به ، وادعوا أن محمدا ليس هو النبي الذي بشرت به التوراة ، وإنما هو رسول سيأتي بعد ، وكما كذبوا بعيسى كذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فبئس عملهم ، وما أقبح ما يمثّل به للمكذبين ، وما أشنع عملهم وسلوكهم .
{ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } .
الذين ظلموا الحق والعدل ، وحملهم الحقد والحسد على إنكار نبوة أحمد ، الله تعالى لا يهديهم إلى الإيمان ، ولا يفتح صدورهم لهداية الرحمن .
قال تعالى : { الذين يتبعون الرسول النبي الأميّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر . . . } ( الأعراف : 107 ) .
حُملوا التوراة : عُلِّموها وأمروا أن يعملوا بها .
ثم لم يحملوها : لم يعملوا بها .
الأسفار : جمع سِفر وهي الكتب ، السفر الكتاب .
الكلام في هذه الآية الكريمة عن اليهود وكَذِبهم ، وتعنُّتِهِم ، وتبجُّحهم ، فبعد أن منّ الله على هذه الأمة بإرسال رسول من أنفسِهم . قال اليهود : إن هذا الرسولَ لم يُبعث إليهم ، ولذلك يردّ الله عليهم مقالهم بأنهم لو عملوا بالتوراة وفهموها حقَّ الفهم ، لرأوا فيها وصفَ النبي الكريم والبشارة به ، وأنه يجب عليهم اتّباعه ، لأنه رسول ورحمة للعالمين .
وما مثلُهم في حَملِهم للتوراة وتركهم العملَ بها إلا كمثل الحمار الذي يحمل الكتبَ ولا يفهم منها شيئا ، ولا يجديه حملُها نفعا .
{ بِئْسَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } .
{ 5-8 } { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }
لما ذكر تعالى منته على هذه الأمة ، الذين ابتعث فيهم النبي الأمي ، وما خصهم الله به من المزايا والمناقب ، التي لا يلحقهم فيها أحد وهم الأمة الأمية الذين فاقوا الأولين والآخرين ، حتى أهل الكتاب ، الذين يزعمون أنهم العلماء الربانيون والأحبار المتقدمون ، ذكر أن الذين حملهم الله التوراة من اليهود وكذا النصارى ، وأمرهم أن يتعلموها ، ويعملوا بما فيها{[1095]} ، وانهم لم يحملوها ولم يقوموا بما حملوا به ، أنهم لا فضيلة لهم ، وأن مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره أسفارًا من كتب العلم ، فهل يستفيد ذلك الحمار من تلك الكتب التي فوق ظهره ؟ وهل يلحق به فضيلة بسبب ذلك ؟ أم حظه منها حملها فقط ؟ فهذا مثل علماء اليهود{[1096]} الذين لم يعملوا بما في التوراة ، الذي من أجله وأعظمه الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، والبشارة به ، والإيمان بما جاء به من القرآن ، فهل استفاد من هذا وصفه من التوراة إلا الخيبة والخسران وإقامة الحجة عليه ؟ فهذا المثل مطابق لأحوالهم .
بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله الدالة على صدق رسولنا وصدق ما جاء به .
{ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } أي : لا يرشدهم إلى مصالحهم ، ما دام الظلم لهم وصفًا ، والعناد لهم نعتًا .
{ مثل الذين حملوا التوراة } كلفوا العمل بها { ثم لم يحملوها } لم يعملوا بما فيها
6 10 { كمثل الحمار يحمل أسفارا } كتبا أي اليهود شبههم في قلة انتفاعهم بما في أيديهم من التوراة اذ لم يؤمنوا بمحمد عليه السلام بالحمار يحمل كتبا ثم قال { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين }
ضرب مثلا لليهود لما تركوا العمل بالتوراة ولم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم . " حملوا التوراة " أي كلفوا العمل بها ، عن ابن عباس . وقال الجرجاني : هو من الحمالة بمعنى الكفالة ، أي ضمنوا أحكام التوراة . " كمثل الحمار يحمل أسفارا " هي جمع سفر ، وهو الكتاب الكبير ؛ لأنه يسفر عن المعنى إذا قرئ . قال ميمون بن مهران : الحمار لا يدري أسِفْرٌ على ظهره أم زبِيل{[14957]} ؛ فهكذا اليهود . وفي هذا تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه ؛ لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء . وقال الشاعر{[14958]} :
زواملُ للأسفار لا علمَ عندهم *** بجيّدها إلا كعلمِ الأبَاعِرِ
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا *** بأوساقه{[14959]} أوراح ما في الغرائر{[14960]}
وقال يحيى بن يمان : يكتب أحدهم الحديث ولا يتفهم ولا يتدبر ، فإذا سئل أحدهم عن مسألة جلس كأنه مكاتب . وقال الشاعر :
إن الرواة على جهل بما حملوا *** مثلُ الجمال عليها يحمل الوَدَعُ
لا الوَدْع ينفعه حمل الجمال له *** ولا الجمال بحمل الوَدْعِ تنتفع
وقال منذر بن سعيد البلوطي رحمه الله فأحسن :
انعِق بما شئت تجد أنصارا *** وزُمّ أسفارا تجد حمارا
يحمل ما وضعت من أسفار *** يحمله كمثل الحمار
يحمل أسفارا له وما درى *** إن كان ما فيها صوابا وخطا{[14961]}
إن سئلوا قالوا كذا روينا *** ما إن كذبنا ولا اعتدينا
كبيرهم يصغر عند الحَفْلِ *** لأنه قلد{[14962]} أهل الجهل
" ثم لم يحملوها " أي لم يعملوا بها . شبههم - والتوراة في أيديهم وهم لا يعملون بها - بالحمار يحمل كتبا وليس له إلا ثقل الحمل من غير فائدة . و " يحمل " في موضع نصب على الحال ، أي حاملا . ويجوز أن يكون في موضع جر على الوصف ؛ لأن الحمار كاللئيم . قال :
ولقد أمر على اللئيم يسبني{[14963]}
" بئس مثل القوم " المثل الذي ضربناه لهم ، فحذف المضاف . " والله لا يهدي القوم الظالمين " أي من سبق في علمه أنه يكون كافرا .
{ مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين }
{ مثل الذين حملوا التوراة } كلفوا العمل بها { ثم لم يحملوها } لم يعملوا بما فيها من نعته صلى الله عليه وسلم فلم يؤمنوا به { كمثل الحمار يحمل أسفاراً } أي كتباً في عدم انتفاعه بها { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله } المصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم والمخصوص بالذم محذوف تقديره هذا المثل { والله لا يهدي القوم الظالمين } الكافرين .