تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ} (34)

30

المفردات :

ولا تستوي الحسنة : في الجزاء مع السيئة .

ادفع بالتي هي أحسن : قابل السيئة بالتي هي أحسن في دفعها .

وليّ حميم : صديق مشفق .

التفسير :

34-{ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } .

الحسنة والسيئة متفاوتتان ، فحاول أن تردّ على الإساءة بالإحسان ، وعلى الغلظة بالملاينة ، وعلى الفحش بالعلم والصبر ، أو تقول له : إن كنت صادقا غفر الله لي ، وإن كنت كاذبا غفر الله لك ، إلى غير ذلك من الحكمة في مقابلة الناس ومعاملتهم ، فإذا فعلت ذلك تحوّل العدوّ المشاقّ إلى صديق مشفق .

قال الشاعر :

إن العداوة تستحيل مودة بتدارك الهفوات بالحسنات .

وقيل : إن الآية نزلت في أبي سفيان بن حرب ، كان عدوّا مبينا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسقط في الأسر قبيل الفتح ، فأحسن النبي صلى الله عليه وسلم معاملته ، وقال : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " فتحول إلى صديق معين .

وينبغي أن نبحث عن الحكمة في تصرّفاتنا وأعمالنا ، فمن الناس من لا تصلح معهم الملاينة ، ولا يصلح معهم إلا المخاشنة ، وفي مثل هؤلاء قال القرآن الكريم : { وجزاء سيئةٍ سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله . . . } . ( الشورى : 40 ) .

وقال تعالى : { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق . . . } . ( الشورى : 41 ، 42 ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ} (34)

{ 34 - 35 } { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }

يقول تعالى : { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ } أي : لا يستوي فعل الحسنات والطاعات لأجل رضا الله تعالى ، ولا فعل السيئات والمعاصي التي تسخطه ولا ترضيه ، ولا يستوي الإحسان إلى الخلق ، ولا الإساءة إليهم ، لا في ذاتها ، ولا في وصفها ، ولا في جزائها { هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ }

ثم أمر بإحسان خاص ، له موقع كبير ، وهو الإحسان إلى من أساء إليك ، فقال : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي : فإذا أساء إليك مسيء من الخلق ، خصوصًا من له حق كبير عليك ، كالأقارب ، والأصحاب ، ونحوهم ، إساءة بالقول أو بالفعل ، فقابله بالإحسان إليه ، فإن قطعك فَصلْهُ ، وإن ظلمك ، فاعف عنه ، وإن تكلم فيك ، غائبًا أو حاضرًا ، فلا تقابله ، بل اعف عنه ، وعامله بالقول اللين . وإن هجرك ، وترك خطابك ، فَطيِّبْ له الكلام ، وابذل له السلام ، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان ، حصل فائدة عظيمة .

{ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } أي : كأنه قريب شفيق .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ} (34)

قوله عز وجل{ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة } قال الفراء : " لا " هاهنا صلة معناه : ولا تستوي الحسنة والسيئة ، يعني الصبر والغضب ، والحلم والجهل ، والعفو والإساءة . { ادفع بالتي هي أحسن } قال ابن عباس : أمر بالصبر عند الغضب ، وبالحلم عند الجهل ، وبالعفو عند الإساءة . { فإذا الذي بينك وبينه عداوة } ، يعني : إذا فعلت ذلك خضع لك عدوك ، وصار الذي بينك وبينه عداوة ، { كأنه ولي حميم } كالصديق والقريب . قال مقاتل بن حيان : نزلت في أبي سفيان ابن حرب وذلك أنه لان للمسلمين بعد شدة عداوته بالمصاهرة التي حصلت بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أسلم فصار ولياً بالإسلام ، حميماً بالقرابة .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ} (34)

ولما كان التقدير : لا أحد أحسن قولا منه ، بل هو المحسن وحده ، فلا يستوي هذا المحسن وغيره أصلاً ، رداً عليهم أن حالهم أحسن من حال الدعاة إلى الله ، وكان القيام بتكميل الخلق يحتاج إلى جهاد للنفس عظيم من تحمل المشاق والصبر على الأذى ، وغير ذلك من جميع الأخلاق ، عطف عليه التفرقة بين عمليهما ترغيباً في الحسنات فقال : { ولا تستوي } أي وإن اجتهدت في التحرير والاعتبار { الحسنة } أي لا بالنسبة إلى أفراد جنسها ولا بالنسبة إلى عامليها عند وحدتها ، لتفاوت الحسنات في أنفسها ، والحسنة الواحدة باعتبار نيات العاملين لها واجتهادهم فيها ولا بالنسبة إلى غيرها ، وإلى ذلك أشار بالتأكيد في قوله : { ولا السيئة } أي في نفسها ولا بالنسبة إلى جنس آخر .

ولما أنتج هذا الحث على الإقبال على الحسن والإعراض عن السيء ، وأفهم أن كلاً من القسمين متفاوت الجزئيات متعالي الدرجات ، وكان الإنسان لا ينفك عن عوارض تحصل له من الناس ومن نفسه يحتاج إلى دفع بعضها ، أنتج عند قصد الأعلى فقال : { ادفع } أي كل ما يمكن أن يضرك من نفسك ومن الناس { بالتي } أي الخصال والأحوال التي { هي أحسن } على قدر الإمكان من الأعمال الصالحات فالعفو عن المسيء حسن ، والإحسان أحسن منه { فإذا الذي بينك وبينه عداوة } عظيمة قد ملأت ما بين البينين فاجأته حال كونه { كأنه ولي } أي قريب ما يفعل القريب { حميم * } أي في غاية القرب لا يدع مهماً إلا قضاه وسهله ويسره ، وشفا علله ، وقرب بعيده ، وأزال درنه ، كما يزيل الماء الحار الوسخ .