محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ} (34)

{ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ } أي لكون الأولى من مقام العقل تجرّ صاحبها إلى الجنة ومصاحبة الملائكة . والثانية من مقام النفس تجر صاحبها إلى النار ومقارنة الشياطين { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي ادفع السيئة حيث اعترضتك ، بالتي هي أحسن منها ، وهي الحسنة . على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقا . أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات . وإنما عدل عن مقتضى الظاهر وهو ( ادفع بالحسنة ) إلى الأبلغ - لأن من دفع بالأحسن هان عليه الدفع بما دونه . وهذا الكلام أبلغ في الحمل والحث على ما ذكر . لأنه يومئ إلى أنه هم ينبغي الاعتناء به والسؤال عنه . قال القاشاني : أي إذا أمكنك دفع السيئة من عدوك بالحسنة ، التي هي أحسن ، فلا تدفعها بالحسنة التي دونها ، فكيف بالسيئة ؟ فإن السيئة لا تندفع بالسيئة ، بل تزيد وتعلو ارتفاع النار بالحطب . فأن قابلتها بمثلها كنت منحطا إلى مقام النفس ، متبعا للشيطان ، سالكا طريق النار ، ملقيا لصاحبك في الأوزار ، وجاعلا له ولنفسك من جملة الأشرار ، متسببا لازدياد الشر ، معرضا عن الخير . وإن دفعتها بالحسنة ، سكّنت شرارته ، وأزلت عداوته ، وتثبت في مقام القلب على الخير ، وهديت إلى الجنة ، وطردت الشيطان ، وأرضيت الرحمن ، وانخرطت في سلك الملكوت ، ومحوت ذنب صاحبك بالندامة . ثم أشار تعالى إلى علة الأمر وثمرته بقوله : { فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي } أي صديق أو قريب { حميم } أي شديد الولاء . وأصل الحميم الماء الشديدة حرارته . كنى به عن الوليّ المخلص في وده ، لما يجد في نفسه من حرارة الحب والشوق والاهتمام نحو مواليه .