البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ} (34)

وقال ابن عباس : الحسنة لا إله إلا الله ، والسيئة الشرك .

وقال الكلبي : الدعوتان إليهما .

وقال الضحاك : الحلم والفحش .

وعن علي : حب الرسول وآله وبغضهم .

وقيل : الصبر والنفور .

وقيل : المداراة والغلظة .

وقيل : العفو والاقتصاد ، وهذه أمثلة للحسنة والسيئة ، لا على طريق الحصر .

ولما تفاوتت الحسنة والسيئة ، أمر أن يدفع السيئة بالأحسن ، وذلك مبالغة ، ولم يقل : ادفع بالحسنة السيئة ، لأن من هان عليه الدفع بالأحسن هان عليه الدفع بالحسن ، أي وإذا فعلت ذلك ، { فإذا الذي بينك وبينه عداوة } صار لك كالولي : الصديق الخالص الصداقة ، ولا في قوله : { ولا السيئة } زائدة للتوكيد ، كهي في قوله : { ولا الظل ولا الحرور } لأن استوى لا يكتفي بمفرد ، فإن إحدى الحسنة والسيئة جنس لم تكن زيادتها كزيادتها في الوجه الذي قبل هذا ، إذ يصير المعنى : ولا تستوي الحسنات ، إذ هي متفاوتات في أنفسها ، ولا السيئات لتفاوتها أيضاً .

قال ابن عطية : دخلت كأن للتشبيه ، لأن الذي عند عداوة لا يعود ولياً حميماً ، وإنما يحسن ظاهره ، فيشبه بذلك الولي الحميم ، وعن ابن عباس : { بالتي هي أحسن } : الصبر عند الغضب ، والحلم عند الجهل ، والعفو عند الإساءة .

وقال مجاهد ، وعطاء : السلام عند اللقاء ، انتهى ، أي هو مبدأ الدفع بالأحسن ، لأنه محصور فيه .

وعن مجاهد أيضاً : أعرض عن أذاهم .

وقال أبو فراس الحمداني :

يجني عليّ وأجنو صافحاً أبدا *** لا شيء أحسن من جان على جان