الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ} (34)

يعني : أنّ الحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما فخذ الحسنة التي هي أحسن من أختها - إذا اعترضتك حسنتان - فادفع بها السيئة التي ترد عليك من بعض أعدائك . ومثال ذلك : رجل أساء إليك إساءة ، فالحسنة : أن تعفو عنه ، والتي هي أحسن : أن تحسن إليه مكان إساءته إليك ، مثل أن يذمك فتمدحه ويقتل ولدك فتفتدي ولده من يد عدوه ، فإنك إذا فعلت ذلك انقلب عدوك المشاقّ مثل الولي الحميم مصافاة لك . ثم قال : وما يلقى هذه الخليقة أو السجية التي هي مقابلة الإساءة بالإحسان إلاّ أهل الصبر ، وإلا رجل خير وفق لحظ عظيم من الخير .

فإن قلت : فهلا قيل : فادفع بالتي هي أحسن ؟ قلت : هو على تقدير قائل قال : فكيف أصنع ؟ فقيل : ادفع بالتي هي أحسن . وقيل : ( لا ) مزيدة . والمعنى : ولا تستوي الحسنة والسيئة .

فإن قلت : فكان القياس على هذا التفسير أن يقال : ادفع بالتي هي حسنة ، قلت : أجل ، ولكن وضع التي هي أحسن موضع الحسنة ، ليكون أبلغ في الدفع بالحسنة ؛ لأنّ من دفع بالحسنى هان عليه الدفع بما هو دونها . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : { بالتي هِىَ أَحْسَنُ } الصبر عند الغضب ، والحلم عند الجهل ، والعفو عند الإساءة .