فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ} (34)

{ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين( 33 )ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم( 34 )وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم( 34 )وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم( 36 ) } .

وليس من قول ولا قائل أكرم من الداعي إلى الله تعالى وإلى سبيله ، والعامل بما يرضيه ، والمعتز بانتسابه إلى الإسلام ، فالاستفهام قد يراد به في هذه الآية : نفي أن يكون أحد أحسن قولا وفعلا من المذكر بالحق ، الدال على الخير ، المبتهج باتخاذ الإسلام دينا ، وكأن الآية الثانية فصلت العمل الصالح مع المخلوقين ، بعدما فصلت سابقتها العمل الصالح مع الخلاق العليم ، ومقابلة الإساءة بالإساءة لا تقطع السوء بل قد تتمادى به ، لكن أن تعفو عمن أساء فهذا طيب ، وأطيب منه أن تحسن إلى المسيء ، فتُقْتَلَعَ العداوة وتُزرع في القلوب المودة ، فيعود الذي عاداك مواليا مخلصا في حبه لك ، وما يتلقى هذه الصفة المحمودة بالاتباع والاستمساك إلا من منحه الله صبرا على المكاره ؛ وما يثبت عليها إلا صاحب حظ عظيم ؛ ولهم البشرى من البَر الرحيم الذي لا يخلف الميعاد : جنات عرضها السماوات والأرض { . . أعدت للمتقين . الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين }{[4173]} { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم . . }{[4174]} .

وإما ينازعك الشيطان ويوسوس إليك بالرد على المسيء وعقوبته ، ويزين لك أن تنصرف عما دعيت إليه من دفع إساءته بالإحسان فاحتم واستجر بالله من شره ووسواسه ، فإنه عز وجل سميع لضراعتك ، عليم بإنابتك ، فسيعصمك من أذاه ، ويثبتك على ما فيه رضاه ، واتباع هداه .


[4173]:سورة آل عمران من الآية 133، والآية 134.
[4174]:سورة النور.من الآية 33. وعلماء القرآن على أنها نزلت حين شارك قريب لأبي بكر رضي الله عنه في حديث الإفك والافتراء على أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنها، فلما ساهم في اقتراف هذا البهتان حلف أبو بكر ليقطعن عنه العون الذي كان يجريه عليه، فنزلت الآية تحلله من يمينه بالكفارة، وليداوم على الإحسان إلى هذا المسيء رغبة في عفو الله وغفرانه.