فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ} (34)

ثم بيّن سبحانه الفرق بين محاسن الأعمال ، ومساويها ، فقال : { وَلاَ تَسْتَوِى الحسنة وَلاَ السيئة } أي لا تستوي الحسنة التي يرضى الله بها ، ويثيب عليها ، ولا السيئة التي يكرهها الله ، ويعاقب عليها ، ولا وجه لتخصيص الحسنة بنوع من أنواع الطاعات ، وتخصيص السيئة بنوع من أنواع المعاصي ، فإن اللفظ أوسع من ذلك . وقيل : الحسنة التوحيد ، والسيئة الشرك . وقيل : الحسنة المداراة ، والسيئة الغلظة . وقيل : الحسنة العفو ، والسيئة الانتصار . وقيل : الحسنة العلم ، والسيئة الفحش . قال الفراء : { لا } في قوله { ولا السيئة } زائدة { ادفع بالتي هِي أَحْسَنُ } أي ادفع السيئة إذا جاءتك من المسيء بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات ، ومنه مقابلة الإساءة بالإحسان ، والذنب بالعفو ، والغضب بالصبر ، والإغضاء عن الهفوات ، والاحتمال للمكروهات . وقال مجاهد وعطاء : بالتي هي أحسن يعني : بالسلام إذا لقي من يعاديه . وقيل : بالمصافحة عند التلاقي { فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ } هذه هي الفائدة الحاصلة من الدفع بالتي هي أحسن ، والمعنى : أنك إذا فعلت ذلك الدفع صار العدوّ كالصديق ، والبعيد عنك كالقريب منك . وقال مقاتل : نزلت في أبي سفيان بن حرب كان معادياً للنبي صلى الله عليه وسلم ، فصار له ولياً بالمصاهرة التي وقعت بينه وبينه ، ثم أسلم ، فصار ولياً في الإسلام حميماً بالصهارة . وقيل غير ذلك ، والأولى حمل الآية على العموم .

/خ36