بنور ربها : بما يقيمه في الأرض من الحق والعدل .
69- { وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون } .
أشرقت أرض المحشر بنور عدل الله تعالى ، وعظيم بهائه وسلطانه .
أي : وضعت صحائف أعمال العباد بين يديه ، وقد سجل فيها الحسنات والسيئات ، فالسعداء يأخذون كتبهم باليمين ، والأشقياء يأخذون كتبهم بالشمال .
قال تعالى : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } . ( الإسراء : 13 ، 14 ) .
{ وجيء بالنبيين والشهداء . . . } .
يجمع الله الرسل أجمعين إلى موقف الحشر ، فيسألهم : بماذا أجابتكم أممكم ؟ قال تعالى : { يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم . . . } ( المائدة : 109 ) .
وجيء أيضا بالشهود الذين يشهدون على الأمم من الملائكة الحفظة التي تقيّد أعمال العباد . قال تعالى : { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } . ( ق : 21 ) .
أي : سائق يسوقها للحساب ، وشاهد يشهد عليها .
وكذلك يجاء بالشهداء المؤمنين الذي استشهدوا في سبيل الله ، فيشهدون يوم القيامة بالبلاغ على من بلّغوه فكذّب بالحق ، كما ذكر ذلك القرطبي في تفسيره .
لقد أفادت الآية أن الأرض تحولت إلى ساحة للقضاء ، تجلّى فيها نور الجبار سبحانه وتعالى ، ووزّع على كل إنسان كتابه ، وفيه صحائف أعماله ، ثم قال تعالى : { وقضي بينهم . . . } وقُضِيَ بين العباد بالعدل والصدق .
أي : لا يبخس من ثوابهم ، ولا يزاد في عقابهم ، بل يكون الجزاء عادلا ، من عند الإله العادل .
قال تعالى : { إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما } . ( النساء : 40 ) .
وقال تعالى : { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } . ( الأنبياء : 47 ) .
{ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } علم من هذا ، أن الأنوار الموجودة تذهب يوم القيامة وتضحمل ، وهو كذلك ، فإن اللّه أخبر أن الشمس تكور ، والقمر يخسف ، والنجوم تندثر ، ويكون الناس في ظلمة ، فتشرق عند ذلك الأرض بنور ربها ، عندما يتجلى وينزل للفصل بينهم ، وذلك اليوم يجعل اللّه للخلق قوة ، وينشئهم نشأة يَقْوَوْنَ على أن لا يحرقهم نوره ، ويتمكنون أيضا من رؤيته ، وإلا ، فنوره تعالى عظيم ، لو كشفه ، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .
{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ } أي : كتاب الأعمال وديوانه ، وضع ونشر ، ليقرأ ما فيه من الحسنات والسيئات ، كما قال تعالى : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } ويقال للعامل من تمام العدل والإنصاف : { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }
{ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ } ليسألوا عن التبليغ ، وعن أممهم ، ويشهدوا عليهم . { س وَالشُّهَدَاءِ } من الملائكة ، والأعضاء والأرض . { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ } أي : العدل التام والقسط العظيم ، لأنه حساب صادر ممن لا يظلم مثقال ذرة ، ومن هو محيط بكل شيء ، وكتابه الذي هو اللوح المحفوظ ، محيط بكل ما عملوه ، والحفظة الكرام ، والذين لا يعصون ربهم ، قد كتبت عليهم ما عملوه ، وأعدل الشهداء قد شهدوا على ذلك الحكم ، فحكم بذلك من يعلم مقادير الأعمال ومقادير استحقاقها للثواب والعقاب .
قوله عز وجل { وأشرقت الأرض } أضاءت { بنور ربها } بنور خالقها وذلك حين يتجلى الرب لفصل القضاء بين خلقه فما يتضارون في نوره كما لا يتضارون في الشمس في اليوم الصحو . وقال الحسن ، والسدي : بعدل ربها ، وأراد بالأرض عرصات القيامة { ووضع الكتاب } أي : كتاب الأعمال . { وجيء بالنبيين والشهداء } قال ابن عباس : يعني : الذين يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة ، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وقال عطاء : يعني الحفظة . يدل عليه قوله تعالى :{ وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } ( ق-21 ) { وقضي بينهم بالحق } أي : بالعدل ، { وهم لا يظلمون } أي : لا يزاد في سيئاتهم ، ولا ينقص من حسناتهم .
قوله تعالى : " وأشرقت الأرض بنور ربها " إشراقها إضاءتها ، يقال : أشرقت الشمس إذا أضاءت وشرقت إذا طلعت . ومعنى : " بنور ربها " بعدل ربها . قاله الحسن وغيره . وقال الضحاك : بحكم ربها ، والمعنى واحد . أي أنارت وأضاءت بعدل الله وقضائه بالحق بين عباده . والظلم ظلمات والعدل نور . وقيل : إن الله يخلق نورا يوم القيامة يلبسه وجه الأرض فتشرق الأرض به . وقال ابن عباس : النور المذكور ها هنا ليس من نور الشمس والقمر ، بل هو نور يخلقه الله فيضيء به الأرض . وروي أن الأرض يومئذ من فضة تشرق بنور الله تعالى حين يأتي لفصل القضاء . والمعنى أنها أشرقت بنور خلقه الله تعالى ، فأضاف النور إليه على حد إضافة الملك إلى المالك . وقيل : إنه اليوم الذي يقضي فيه بين خلقه ؛ لأنه نهار لا ليل معه . وقرأ ابن عباس وعبيد بن عمير : " وأشرقت الأرض " على ما لم يسم فاعله وهي قراءة على التفسير . وقد ضل قوم ها هنا فتوهموا أن الله عز وجل من جنس النور والضياء المحسوس ، وهو متعال عن مشابهة{[13344]} المحسوسات ، بل هو منور السماوات والأرض ، فمنه كل نور خلقا وإنشاء . وقال أبو جعفر النحاس : وقوله عز وجل : " وأشرقت الأرض بنور ربها " يبين هذا الحديث المرفوع من طرق كثيرة صحاح ( تنظرون إلى الله عز وجل لا تضامون في رؤيته ) وهو يروى على أربعة أوجه : لا تضامون ولا تضارون ولا تضامون ولا تضارون ، فمعنى ( لا تضامُون ) لا يلحقكم ضيم كما يلحقكم في الدنيا في النظر إلى الملوك . و( لا تضارُون ) لا يلحقكم ضير . و( لا تضامُّون ) لا ينضم بعضكم إلى بعض ليسأله أن يريه . و( لا تضارُّون ) لا يخالف بعضكم بعضا . يقال : ضاره مضارة وضرارا أي خالفه .
قوله تعالى : " ووضع الكتاب " قال ابن عباس : يريد اللوح المحفوظ . وقال قتادة : يريد الكتاب والصحف التي فيها أعمال بني آدم ، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله . " وجيء بالنبيين " أي جيء بهم فسألهم عما أجابتهم به أممهم . " والشهداء " الذين شهدوا على الأمم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ كما قال تعالى : " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس " [ البقرة : 143 ] . وقيل : المراد بالشهداء الذي استشهدوا في سبيل الله ، فيشهدون يوم القيامة لمن ذب عن دين الله . قاله السدي . قال ابن زيد : هم الحفظة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم . قال الله تعالى : " وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد " [ ق : 21 ] فالسائق يسوقها إلى الحساب والشهيد يشهد عليها ، وهو الملك الموكل بالإنسان على ما يأتي بيانه في " ق " {[13345]} . " وقضي بينهم بالحق " أي بالصدق والعدل . " وهم لا يظلمون " قال سعيد بن جبير : لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم .
{ ووضع الكتاب } : يعني صحائف الأعمال وإنما وحدها لأنه أراد الجنس وقيل : هو اللوح المحفوظ .
{ وجيء بالنبيين } ليشهدوا على قومهم { والشهداء } يحتمل أن يكون جمع شاهد أو جمع شهيد في سبيل الله والأول أرجح لأن فيه الوعيد معنى ولأنه أليق بذكر الأنبياء الشاهدين والمراد على هذا أمة محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم يشهدون على الناس وقيل : يعني الملائكة الحفظة .