نختم على أفواههم : نمنعها من الكلام .
وتكلمنا أيديهم : كلام دلالة أو نطق .
65 { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } .
في ذلك اليوم ينكر الكفار كفرهم وجرائمهم التي فعلوها في الدنيا ، فيختم الله على أفواههم فلا تنطق ، ويأمر الجوارح أن تشهد عليهم بما اجترحوه من المعاصي ، فتنطق اليد وترشد إلى المعاصي التي ارتكبتها ، وتنطق الرِّجل وتشهد بالمعاصي التي اجترحتها وفعلتها .
وشهادة الأيدي والأرجل عليهم دلالتها على أفعالها ، وظهور آثار معاصيها عليها .
وقيل : ذلك على الحقيقة ، بأن ينطقها الله فتتكلَّم وتشهد ، ويؤيد ذلك ما ورد في القرآن الكريم والسنّة الصحيحة .
قال تعالى : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ } [ النور : 24 ، 25 ] .
وقال تعالى : { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ فصلت : 19 21 ] .
وفي كتب السنة النبوية ما يفيد أن الله يضع كَنَفَهُ على المؤمن ويذكّره بذنوبه التي فعلها في الدنيا ، فيعترف بها لربّه ، ولا ينكر منها شيئا ، فيقول له الله : لقد سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم ، وأما الكافر فينكر أنه فعل شيئا من الذنوب ، فتنطق جوارحه عليه ، وتفضحه جوارحه على رؤوس الأشهاد .
روى ابن أبي حاتم ، والإمام مسلم ، والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فضحك حتى بدت نواجذه ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : " أتدرون مم أضحك ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال صلى الله عليه وسلم : " من مجادلة العبد ربه يوم القيامة ، يقول : ربّ ألم تجردني من الظلم ؟ فيقول : بلى فيقول : لا أجيز عليّ إلا شاهدا من نفسي ، فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ، وبالكرام الكاتبين شهودا ، فيختم الله على فيه ، ويقال لأركانه : انطقي ، فتنطق بعمله ، ثم يخلّى بينه وبين الكلام فيقول : بُعْدا لكنّ وسحقا ، فعنكنّ كنت أناضل " 26
اليوم نغطِّي على أفواههم فلا تنطق ، وتكلمنا أيديهم ، وتنطق أرجلهم شاهدة عليهم بما كانوا يعملون . وجاء في حاشية الجمل على الجلالين ما يأتي :
قال الكرخي : أسند سبحانه فعل الختم إلى نفسه ، وأسند الكلام والشهادة إلى الأيدي والأرجل ، لئلا يكون فيه احتمال أن ذلك منهم كان جبرا ، أو قهرا ، والإقرار مع الإجبار غير مقبول ، فقال : { وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم . . . } أي باختيارها ، بعد إقرار الله لها على الكلام ليكون أدل على صدور الذنب منهم . ا ه .
قال الله تعالى في بيان وصفهم الفظيع في دار الشقاء : { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ } بأن نجعلهم خرسا فلا يتكلمون ، فلا يقدرون على إنكار ما عملوه من الكفر والتكذيب . { وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } أي : تشهد عليهم أعضاؤهم بما عملوه ، وينطقها الذي أنطق كل شيء .
ولما كان كأنه قيل : هل يحكم فيهم بعلمه أو يجري الأمر على قاعدة الدنيا في العمل بالبينة ، بين أنه على أظهر من قواعد الدنيا ، فقال مهولاً لليوم على النسق الماضي في مظهر العظمة لأنه أليق بالتهويل : { اليوم نختم } أي بما لنا من عجيب القدرة المنشعبة من العظمة ، ولفت القول إلى الغيبة إيذاناً بالإعراض لتناهي الغضب فقال : { على أفواههم } أي لاجترائهم على الكذب في الأخرى كما كان ديدنهم في الدنيا ، وكان الروغان والكذب والفساد إنما يكون باللسان المعرب عن القلب ، وأما بقية الجوارح فمهما خرق العادة بإقدارها على الكلام لم تنطق إلا بالحق فلذلك قال : { وتكلمنا أيديهم } أي بما عملوا إقراراً هو أعظم شهادة { وتشهد أرجلهم } أي عليهم بكلام بين هو مع كونه شهادة إقرار { بما كانوا } أي في الدنيا بجبلاتهم { يكسبون * } فالآية من الاحتباك : أثبت الكلام للأيدي أولاً لأنها كانت مباشرة دليلاً على حذفه من حيز الأرجل ثانياً ، وأثبت الشهادة للأرجل ثانياً لأنها كانت حاضرة دليلاً على حذفها من حيز الأيدي أولاً ، وبقرينة أن قول المباشر إقرار وقول الحاضر شهادة ، روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال : " يقول العبد : يا رب ! ألم تجرني من الظلم ، قال : فيقول : بلى ، فيقول : فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني ، فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً ، وبالكرام الكاتبين شهوداً ، فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي ، فتنطق بأعماله ، ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقول : بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل " والظاهر أن السر في الختم على فيه منعه من أن يلغط حال شهادتها عليه لئلا يسمع قولها ، كما هو دأب أهل العناد عند الخصام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.