عذاب غليظ : بالغ الغاية في الشدة والإحاطة بهم من كل جانب ، فهو كالوثاق الغليظ الذي لا يمكن للإنسان أن يخرج منه .
50- { ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ } .
إذا جاءت للإنسان النعمة والمال والجاه ، وغير ذلك من آثار رحمة الله ، بأن فرج الله عنه الضر أو الفقر أو المرض ، وكساه ثوب الغنى أو العافية ؛ لم يشكر صاحب الرحمة والفضل ، بل نسب النعمة إلى نفسه ، أي أنه خبير بأسباب النعمة ، جدير بأن تأتي إليه ، كما قال قارون : { إنما أوتيته على علم عندي . . . } ( القصص : 78 ) .
فهذا الإنسان الكافر الجاحد يرى أن النعمة من كده ، ومن عمل يمينه ، ثم ينكر البعث والحشر والجزاء والعقاب في الآخرة ، فيقول :
{ وما أظن الساعة قائمة . . . }
لا أعتقد بمجيء القيامة ، وإنما هي أرحام تدفع وقبور تبلع ، وما يهلكنا إلا الدهر ، وليس هناك حساب ولا جزاء ، ولا حياة سوى الحياة الدنيا ، ولو سلمنا جدلا أن القيامة ستقوم -كما يذكر أتباع محمد- فسأكون في الآخرة أحسن حظا ، وأفضل حالا لاستحقاقي للخير في الدنيا وفي الآخرة ، فإذا بعثت في الآخرة فسيكون مآلي الجنة ونعيمها .
{ فلننبئن الذين كفروا بما عملوا . . . }
فوالله لنخبرنهم بحقيقة أعمالهم ، ولنخبرنهم بجحودهم وكنودهم وكفرهم ، واستحقاقهم للعذاب والعقاب .
ولنحرقنهم بنار جهنم في عذاب غليظ لا يمكنهم تركه ولا الفكاك منه ، لإحاطته بهم من كل جانب ، فهو كالوثاق الغليظ الذي لا يمكن للإنسان أن يخرج منه .
ثم قال تعالى : { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ } أي : الإنسان الذي يسأم من دعاء الخير ، وإن مسه الشر فيئوس قنوط { رَحْمَةً مِنَّا } أي : بعد ذلك الشر الذي أصابه ، بأن عافاه الله من مرضه ، أو أغناه من فقره ، فإنه لا يشكر الله تعالى ، بل يبغى ، ويطغى ، ويقول : { هَذَا لِي } أي : أتاني لأني له أهل ، وأنا مستحق له { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } وهذا إنكار منه للبعث ، وكفر للنعمة والرحمة ، التي أذاقها الله له . { وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى } أي : على تقدير إتيان الساعة ، وأني سأرجع إلى ربي ، إن لي عنده ، للحسنى ، فكما حصلت لي النعمة في الدنيا ، فإنها ستحصل ]لي[ في الآخرة وهذا من أعظم الجراءة والقول على الله بلا علم ، فلهذا توعده بقوله : { فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } أي : شديد جدًا .
قوله تعالى : " ولئن أذقناه رحمة منا " عاقبة ورخاء وغنى " من بعد ضراء مسته " ضر وسقم وشدة وفقر . " ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة " أي هذا شيء استحقه على الله لرضاه بعملي ، فيرى النعمة حتما واجبا على الله تعالى ، ولم يعلم أنه ابتلاه بالنعمة والمحنة ؛ ليتبين شكره وصبره . وقال ابن عباس : " هذا لي " أي هذا من عندي . " ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى " أي الجنة ، واللام للتأكيد . يتمنى الأماني بلا عمل . قال الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب : للكافر أمنيتان أما في الدنيا فيقول : " لئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى " ، وأما في الآخرة فيقول : " يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين " [ الأنعام : 27 ] و " يا ليتني كنت ترابا " [ النبأ : 40 ] . " فلننبئن الذين كفروا بما عملوا " أي لنجزينهم . قسم أقسم الله عليه . " ولنذيقنهم من عذاب غليظ " أي شديد .
قوله : { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي } إذا مَنَّ الله على هذا الإنسان فكشف عنه الكرب والشدة والبلاء ثم أبدله بذلك رحمة منه فوهب له العافية والرزق والراحة والسعة في العيش والرزق { لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي } أي إني أستحق هذا الخير وهذه الرحمة ؛ لأن الله راضٍ عني وعما أعمله ، والصحيح أن ذلك ابتلاء له من الله ، فالله يبتلي عباده بالمحنة والنعمة ليستبين الشاكرون والصابرون من الجاحدين الجزوعين .
قوله : { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } ذلك إعلان صريح بالكفر وإنكار القيامة عقب ما أصابه من النعمة بعد انكشاف النقمة ، وذلك دأب الظالمين والغافلين والمستكبرين الذين يتيهون في الأرض غرورا وبطرا وضلالا وقد أعمتهم الغفلة وأضلهم الشيطان عن دين الله وعن لقائه يوم الحساب فأسرفوا في الكفر والتكذيب حتى جحدوا اليوم الآخر ، مع أنهم موقنون أنهم ميتون وأنهم صائرون إلى الزوال والفناء لا محالة . لكنه الضلال والاستكبار والاغترار والغفلة عن سواء السبيل .
قوله : { وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى } يقول الخاسر الظالم لنفسه : ما أحسبُ القيامة قائمة ؛ ولئن قامت ورددتُ إلى الله حيّا بعد الممات فإن لي عنده خيرا من المال والغنى والسعة والعافية ، أو لي عنده الجنة .
قوله : { فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا } ذلك وعيد من الله لهؤلاء الظالمين الخاسرين الذين يتمنون على الله الأباطيل – بأنه مُخْبِرُهم يوم القيامة بما عملوه في الدنيا من المعاصي والسيئات ، وهو سبحانه مجازيهم على ذلك بما يستحقونه من سوء الجزاء وغليظ العقاب في النار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.