خزائن السماوات والأرض : خزائن الأرزاق فيهما .
لا يفقهون : لا يعلمون علما صادرا عن إدراك جلال الله وقدرته .
7- { هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ } .
كان عبد الله بن أُبي قد جلس مع قومه بعد نزاع على الماء بين رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار ، حيث قال المهاجريّ : يا للمهاجرين ، وقتل الأنصاري : يا للأنصار ، واجتمع الناس .
وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخرج جزعا يجرّ رداءه ، وقال : " ذروها فإنها منتنة ، ليس منا من دعا إلى عصبية " .
فكفّ الناس عن الشجار ، وعادوا نادمين ، لكن عبد الله بن سلول ، قال : أوقد فعلوها ، ما مثلنا ومثل أصحاب محمد إلا كما قال القائل : سمّن كلبك يأكلك ، لا تنفقوا على فقراء المهاجرين حتى ينفضوا عن محمد ويتركوه . فأنزل الله تعالى هذه الآية توضح ما فعله عبد الله بن أُبي وأمثاله .
يقول هؤلاء المنافقون : لا تنفقوا على هؤلاء المهاجرين الذين جُلبوا من مكة إلينا ، حتى يتفرقوا عن محمد ، وتواصَوْا بتضييق الأرزاق وفُرص العمل ، وإغلاق أبواب الكسب في وجوههم .
لكن الله تعالى رد عليهم قائلا : { وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ } .
إن الأرزاق بيد الله ، وبيده العزّ والذل ، وهو سبحانه بيده مفاتيح خزائن السماوات والأرض ، وبيده أرزاق العباد .
قال تعالى : { وفي السماء رزقكم وما توعدون* فوربّ السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون } . ( الذاريات : 22-23 ) .
فالله تعالى هو المسبب للأرزاق ، والعبيد سبب ظاهري .
وفي الحديث النبوي الشريف : " واعلم أ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضرّوك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، جفّت الأقلام وطويت الصحف " vi { وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ } .
لا يدركون أن الله هو الرازق ذو القوة المتين ، وهو الرازق لهؤلاء المهاجرين ، فقد أكرمهم الله وسجّل جهودهم .
قال تعالى : { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } . ( الحشر : 8 ) .
{ 7-8 } { هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ }
وهذا من شدة عداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمسلمين ، لما رأوا اجتماع أصحابه وائتلافهم ، ومسارعتهم في مرضاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، قالوا بزعمهم الفاسد :
{ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا } فإنهم - بزعمهم - لولا أموال المنافقين ونفقاتهم عليهم ، لما اجتمعوا في نصرة دين الله ، وهذا من أعجب العجب ، أن يدعى هؤلاء المنافقون الذين هم أحرص الناس على خذلان الدين ، وأذية المسلمين ، مثل هذه الدعوى ، التي لا تروج إلا على من لا علم له بحقائق الأمور{[1105]} ولهذا قال الله ردًا لقولهم : { وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } فيؤتي الرزق من يشاء ، ويمنعه من يشاء ، وييسر الأسباب لمن يشاء ، ويعسرها على من يشاء ، { وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ } فلذلك قالوا تلك المقالة ، التي مضمونها أن خزائن الرزق في أيديهم ، وتحت مشيئتهم .
قوله تعالى : " هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا .
ذكرنا سبب النزول فيما تقدم . وابن أبي قال : لا تنفقوا على من عند محمد حتى ينفضوا ، حتى يتفرقوا عنه . فأعلمهم الله سبحانه أن خزائن السموات والأرض له ، ينفق كيف يشاء . قال رجل لحاتم الأصم : من أين تأكل ؟ فقال : " ولله خزائن السموات والأرض " . وقال الجنيد : خزائن السموات الغيوب ، وخزائن الأرض القلوب ؛ فهو علام الغيوب ومقلب القلوب . وكان الشبلي يقول : " ولله خزائن السموات والأرض " فأين تذهبون . " ولكن المنافقين لا يفقهون " أنه إذا أراد أمرا يسره .
قوله : { هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضّوا } ينفضوا من الفضّ والانفضاض يعني التفرق{[4547]} أي يقول المنافقون لمن حولهم من الناس : لا تنفقوا على الذين عند محمد من أصحابه المهاجرين حتى يتفرقوا عنه .
قوله : { ولله خزائن السماوات والأرض } الله مالك كل شيء ، وبيده مقاليد السماوات والأرض . فهو الباسط الرازق المعطي كيف يشاء ولن يستطيع أحد أن يدفع الرزق من الله عن عباده { ولكن المنافقين لا يفقهون } لا يعون هذه الحقيقة ولا يدركونها لغفلتهم وضلالهم وفساد قلوبهم وكفرهم بالله ورسوله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.