تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةٗۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (74)

قسوة القلوب

( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعلمون( 74 ) (

المفردات :

القسوة : اليبس والصلابة .

يتفجر : يتفتح ويتشقق بكثرة وسعة .

يهبط : يتردى وينزل .

الخشية : الخوف .

المناسبة :

وصف الله حال بني إسرائيل بعد أن رأوا من آياته التي أتاها موسى عليه السلام ما رأوا ، كانفجار الماء ، ورفع الجبل ، ومسخهم قردة ، وإحياء القتيل إلى نحو ذلك ، وصفهم بقسوة القلوب . وضعف الوازع الديني فيها ، حتى أصبحت كالصم الصلاد بل أشد منها قسوة .

التفسير :

74- ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة .

ثم صلبت قلوبكم يا بني إسرائيل وغلظت بعد أن رأيتم ما رأيتم من معجزات ، منها إحياء القتيل أمام أعينكم فهي كالحجارة في صلابتها ويبوستها ، بل هي أشد صلابة منها لأن الحجارة ما فيه ثقوب متعددة وخروق متسعة ، فتدفق منه مياه الأنهار التي تعود بالمنافع على المخلوقات ، ولأن منها ما يتصدع تصدعا قليلا فيخرج منه ماء العيون والآبار ولأن منها ما يتردى من رأس الجبل إلى الأرض من خوف الله وخشيته .

وقد شاهدوا كل ذلك حين ضرب موسى الحجر فتفجرت منه اثنتا عشرة عينا وشاهدوا الجبل يندك دكا حين تجلى الله له .

ولكن قلوبهم كلت وعميت وأغلقت مفاتيحها فلا تتأثر بموعظة ، ولا تنقاد للخير ، ولا تفعل ما تِؤمر به ، مهما تعاقبت عليها النعم والنقم والآيات

والله تعالى حافظ لأعمالهم ، يحصيها عليهم ثم يجازيهم بها ، فهو سبحانه يمهل ولا يهمل ، وهو بكل شيء عليم

واسم الإشارة ذلك ، مشار به إلى إحياء القتيل بعد ضربه بجزء من البقرة ، أو إلى جميع النعم والمعجزات الواردة في للآيات السابقة

وقوله تعالى : وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله .

بيان لفضل الحجارة على قلوبهم القاسية ، قصد به إظهار زيادة قسوة قلوبهم عن الحجارة ، لأن هذا الأمر لغرابته يحتاج إلى بيان سببه .

فكأنه سبحانه يقول لهم : إن هذه الحجارة على صلابتها ويبوستها منها ما تحدث فيه المياه خروقا واسعة تتدفق منها الأنهار الجارية النافعة ، ومنها ما تحدث فيه المياه شقوقا مختلفة تنجم عنها العيون النابعة والأنهار الجوفية المفيدة ، ومنها ما ينقاد لأوامر الله عن طواعية وامتثال ، أما قلوبكم أنتم فلا يصدر عنها نفع ولا تتأثر بالعظات والعبر ، ولا تنقاد للحكم التي من شأنها هداية النفوس وقوله تعالى : وما الله بغافل بما تعلمون . تهديد لهم وتخويف حيث إنه سبحانه سيحاسبهم على أعمالهم وسيذيقهم ما يستحقون من عقاب جزاء جحودهم لنعمه ، وعصيانهم لأوامره .