تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا ذَلُولٞ تُثِيرُ ٱلۡأَرۡضَ وَلَا تَسۡقِي ٱلۡحَرۡثَ مُسَلَّمَةٞ لَّا شِيَةَ فِيهَاۚ قَالُواْ ٱلۡـَٰٔنَ جِئۡتَ بِٱلۡحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ} (71)

67

المفردات :

الذلول : الريض الذي زالت صعوبته ، يقال دابة ذلول بينة ، ( الذل ) بالكسر ، ورجل ذلول بين الذل ( بالضم ) ، فمعنى لا ذلول أي ليست مذللة وميسرة .

تثير الأرض : أي تقلبها بالمحراث .

ولا تسقي الحرث : أي ولا تروي الزرع .

مسلمة : سليمة من العيوب وآثار العمل .

لاشية فيها : لا لون فيها يخالف معظم جلدها ، من وشى الثوب يشيه إذا زينه بخطوط مختلفة الألوان .

جئت بالحق : جئت ولم يبق فيها إشكال .

وما كادوا يفعلون : وما قربوا من أن يذبحوها لغلاء ثمنها أو خوف الفضيحة .

التفسير :

71- قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها . أي أنها بقرة لم تذلل بالعمل في الحراثة والسقي ، فلفظ . لا . نافية بمعنى غير . ولا . في قوله تعالى : ولا تسقي الحرث . مزيدة لتوكيد الأولى لأن المعنى ( لا ذلول تثير و تسقي ) ( 187 ) . وأعيد في قوله : ولا تسقي الحرث . مراعاة للاستعمال الفصيح . قال ابن كثير : إنها ليست مذللة بالحراثة ولا معدة للسقي قي الساقية بل هي مكرمة حسنة صبيحة لا عيب فيها ا ه . ومعنى مسلمة : أي سلمها الله من العيوب . ومعنى لا شية : لا لون فيها يخالف جلدها الأصفر والشية في الأصل : مصدر وشاه يشيه وشيا وشية ، إذا خلط لونه بلون آخر .

قالوا الآن جئت بالحق . أي جئت بحقيقة وصف البقرة وما بقي في أمرها ، ولا وجه لنا في طلب الإيضاح بعد ذلك . فذبحوها . أي فحصلوا البقرة الجامعة لهذه الأوصاف كلها فذبحوها .

وما كادوا يفعلون : معناه وما قربوا أن يفعلوا الذبح ، والمقصود منه المبالغة في تباطئهم وتعمدهم . إطالة الزمن بكثرة المراجعات في وصف البقرة . وجملة وما كادوا يفعلون . حالية . قال الزمخشري : وما كادوا يفعلون .

استثقال لاستقصائهم واستبطاء لهم وإنهم لتطويلهم المفرط وكثرة استكشافهم ما كادوا يذبحونها ، وما كادت تنتهي سؤالا تهم وما كاد ينقطع خيط إسهابهم فيها وتعمقهم ، وقيل وما كادوا يذبحونها لغلاء ثمنها ، وقيل لخوف الفضيحة في ظهور القاتل ، وروى أنه كان في بني إسرائيل شيخ صالح له عجلة فأتى بها الغيضة وقال : اللهم إني استودعتكها لابني حتى يكبر ، وكان بارا بوالديه ، فشبت وكانت من أحسن البقر وأسمنه ، فساوموها اليتيم وأمه حتى اشتروها بملء مسكها ذهبا وكانت البقرة إذ ذاك بثلاثة دنانير . ( 188 ) .

يؤخذ من الآية النهي عن كثرة السؤال ، قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسئكم . ( المائدة 101 ) .

وروى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلكم ، واختلافهم على الأنبيائهم » ( 189 ) .

وكتب عمر ابن عبد العزيز إلى عامله : إذا أمرتك أن تعطى فلانا شاة سألتني أضائن أم ما عز ؟ فإن بينت لك قلت أذكر أم أنثى ؟ فإن أخبرتك قلت أسوداء أم بيضاء ؟ فإذا أمرتك بشيء فلا تراجعني .

وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات ( 190 ) . أخرجه الإمام أحمد وفسره الأوزاعي وقال : هي شداد المسائل وما لا يحتاج إليه من كيف وكيف .

وقال الأوزاعي : إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط ، فلقد رأيتهم أقل الناس علما .