تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرۡتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثۡلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (10)

10

المفردات :

قل أرأيتم : أخبروني ماذا تكون حالكم .

إن كان من عند الله : إن كان القرآن من عند الله .

وشهد شاهد : وشهد عبد الله بن سلام .

على مثله : على مثل ما في القرآن من التوراة من المعاني المصدقة للقرآن المطابقة له ، أو شهد على مثل ذلك وهو كون القرآن من عند الله .

فآمن : الشاهد .

واستكبرتم : تكبرتم عن الإيمان ، ألستم ظالمين ؟

التفسير :

10 – { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } .

كان عبد الله بن سلام من أحبار اليهود ، ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة جاء إليه عبد الله ابن سلام ، وقال : لما نظرت إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم قلت : ما هذا بوجه كذاب ، ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسئلة لا يعلمها إلا نبي :

الأول : ما أول أشراط الساعة ؟

الثاني : ما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟

الثالث : ما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه ؟

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام أهل الجنة فزيادة كبد الحوت ، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل نزعه ، وإذا سبق ماء المرأة نزعته ) ، فقال : أشهد أنك رسول الله حقا17 .

ومعنى الآية الكريمة :

أخبروني يا معشر المشركين ، إن كان هذا القرآن من عند الله في الحقيقة ، وأعلنتم كفركم به ، ثم شهد شاهد من أهل الكتاب على صدق القرآن ، وصدق محمد صلى الله عليه وسلم ، وشهد أن القرآن منزل من عند الله ، وأن القرآن مماثل لما بشرت به التوراة ، ثم آمن هذا الشاهد بالقرآن والإسلام ، وصدق محمد صلى الله عليه وسلم ، واستكبرتم عن الإيمان بالله ، ألستم ظالمين خاسرين ؟

وبعبارة أخرى :

ما ظنكم أن الله صانع بكم إن كان القرآن الذي أنزل علي من عند الله ، وقد كفرتم به وكذبتموه ، مع أن شاهدا من بني إسرائيل قد شهد أن القرآن مماثل لما في التوراة ، وأن في التوراة بشارة بالنبي محمد ، فآمن هذا الشاهد ودخل في الإسلام ، واستكبرتم عن الدخول فيه ، ألستم ظالمين ؟

إذن فاعلموا : { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } . أي : لا يوفقهم إلى الهدى والإيمان .

وجمهور المفسرين على أن الآية نزلت في عبد الله بن سلام ، لكن عبد الله بن سلام لم يدخل في الإسلام إلا في المدينة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها ، وسورة الأحقاف مكية ، لذلك قال علماء القرآن : هذه الآية مدنية نزلت بالمدينة ، أمر الله أن توضع في سورة مكية ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا نزلت عليه الآية قال : ( ضعوا هذه الآية في سورة كذا ) ، وعنوان السورة مكتوب في المصحف هكذا : ( سورة الأحقاف مكية ، إلا الآيات : 10 ، 15 ، 35 فمدنية ) .

وأفاد الإمام القرطبي في تفسير الآية أن جمهور المفسرين على أنه عبد الله بن سلام ، وقد نزل فيه قوله تعالى : { قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب } . ( الرعد : 43 ) .

وبعض المفسرين ذكر أن الشاهد من بني إسرائيل هو موسى عليه السلام ، فقد بشر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وذكرت التوراة صفة محمد صلى الله عليه وسلم اه .

ويمكن لنا أن نقول : إن موسى عليه السلام بشر برسالة محمد ، كما وردت صفته في التوراة ، كما صدق برسالة محمد بعض علماء بني إسرائيل في المدينة ، فأراد الله أن يزلزل إصرار أهل مكة على الكفر ، فأخبرهم بأن هذا كتاب صادق ، وأن محمدا نبي صادق ، قد أيده موسى رسول الله ، وسيؤيده بعض علماء بني إسرائيل ، وتكون الآية من المبشرات .

وقد أفاد القاسمي في تفسيره ( محاسن التأويل ) أن الآية من باب الإخبار قبل الوقوع ، كقوله تعالى : { ونادى أصحاب الأعراف . . . } ( الأعراف : 48 ) .

ويرشحه أن الفعل : { وشهد } ، معطوف على الشرط الذي يصير به للماضي مستقبلا ، فلا ضير في شهادة الشاهد بعد نزولها ، ويكون تفسيره بها بيانا للواقع ، أي أن الآية يمكن أن تنطبق على إسلام عبد الله بن سلام في المستقبل18 .