تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗاۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَشۡكُرُونَ} (58)

المفردات :

نكدا : عسرا أو قليلا لا خير فيه .

نصرف الآيات : نكررها بأساليب مختلفة .

التفسير :

والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا . . . . الآية .

قال في اللسان : النكد : قلة العطاء ، وعطاء نكد ، أي : عطاء قليل لا جدوى منه ، ورجل نكد : شؤم عسر .

أي : الأرض الكريمة التربة يخرج نباتها وافيا حسنا تاما غزير النفع بمشيئة الله وتيسيره .

والتربة الخبيثة ، كالأرض السبخة لا يخرج نباتها إلا نكدا : أي : قليلا عديم الفائدة .

فشبه القلب القابل للوعظ بالبلد الطيب ، والنائي عنه بالبلد الخبيث .

وفيه بيان أن القرآن يثمر في القلوب التي تشبه الأرض الطيبة التربة ، ولا يثمر في القلوب التي تشبه الأرض الرديئة السبخة .

كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون .

أي : مثل ذلك التصريف البديع والتنويع الحكيم . نصرف الآيات . أي : نرددها ونكررها ونوضحها ، لقوم يشكرون . نعمة الله ؛ فيتفكرون فيها ويعتبرون بها .

من كتب التفسير :

قال أبو السعود في تفسيره :

( وهذا كما ترى مثل لإرسال الرسل عليهم السلام بالشرائع ، التي هي ماء حياة القلوب إلى المكلفين ، المنقسمين إلى المقتبسين من أنوارها ، والمحرومين من مغانم آثارها ) ( 23 ) .

وقال الزمخشري في تفسير الكشاف :

وهذا مثل لمن ينجع فيه الوعظ والتذكير من المكلفين ، ولمن لا يؤثر فيه شيء من ذلك ، وعن مجاهد : آدم وذريته منهم خبيث وطيب ، وعن قتادة : المؤمن سمع كتاب الله فوعاه بعقله وانتفع به ، كالأرض الطيبة أصابها الغيث فأنبتت ، والكافر بخلاف ذلك ، وهذا التمثيل واقع على إثر ذكر المطر ، وإنزاله بالبلد الميت ، وإخراج الثمرات به على طريق الاستطراد .

من البخاري ومسلم :

روى الشيخان عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير . وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا أو سقوا وزرعوا . وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ . فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم .

ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ) ( 64 ) .