فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗاۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَشۡكُرُونَ} (58)

{ والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه } أي التربة الطيبة السهلة السمحة يخرج نباتها بإذن الله وتيسيره خروجا حسنا تاما وافيا ، وخص خروج نبات الطيب بقوله { بإذن ربه } على سبيل المدح والتشريف وإن كان كل من النباتين يخرج بإذنه تعالى ، قاله أبو حيان في النهر ، والمعنى بمشيئته وعبر به عن كثرة النبات وحسنه وغزارة نفعه لأنه أوقعه في مقابلة قوله :

{ والذي خبث } أي والتربة الخبيثة السبخة { لا يخرج } نباتها { إلا نكدا } أي قليلا لا خير فيه ، وقيل عسرا بمشقة وكلفة ، يقال نكد نكدا من باب التعب فهو نكد تعسر ، ونكد العيش نكدا اشتد وعسر ، وفي القاموس ونكد عيشهم كفرح اشتد وعسر ، والبئر قل ماؤها ونكد زيد حاجة عمرو كنصر منعه إياها ، ورجل نكد شؤم عسر ، وقوم انكاد ومناكيد والنكد بالضم قلة العطاء ويفتح .

وقيل معنى الآية التشبيه ، شبه تعالى السريع الفهم بالبلد الطيب ، والبليد بالبلد الخبيث ذكره النحاس ، وقيل هذا مثل للقلوب فشبه القلب القابل للوعظ بالبلد الطيب ، والنابي عنه بالبلد الخبيث قاله الحسن ، وقيل هو مثل لقلب المؤمن والمنافق قاله قتادة ، وقيل هو مثل للطيب والخبيث من بني آدم قاله مجاهد .

عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله تعالى بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا ، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك من فقه في دين الله عز وجل ونفعه ما بعثني الله تعالى به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله تعالى الذي أرسلت به ) {[764]} أخرجاه في الصحيحين ، وليس في هذا ما يدل على أنه السبب في نزول الآية .

{ كذلك } أي مثل ذلك التصريف { نصرف الآيات لقوم يشكرون } الله ويعترفون بنعمته وينتفعون بسماع القرآن .


[764]:مسلم /2282 – البخاري /68. ومعناه أن الناس مثل الأرض. النوع الأول: من الناس: يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيى قلبه ويعمل به ويعلمه غيره فينتفع وينفع. والنوع الثاني: من الناس: لهم قلوب حافظة ولكن ليست لهم أفهام ثاقبة ولا رسوخ لهم في العلم يستنبطون به المعاني والأحكام وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم أهل للنفع والانتفاع فيأخذه منهم فينتفع به فهؤلاء نفعوا بم أبلغهم. النوع الثالث: ليس لهم قلوب حافظة ولا أفهام واعية.