تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗاۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَشۡكُرُونَ} (58)

الآية 58 وقوله تعالى : { والبلد الطيّب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا } ذكر المثل ، ولم يذكر المضروب .

وأهل التأويل قالوا : ضرب المثل للمؤمن والكافر . ثم يحتمل ضرب المثل وجوها :

أحدها : أنه وصف الأرض التي يخرج منها النبات بالطيب ، والأرض التي لا يخرج منها النبات بالخبث .

فعلى ذلك المؤمن لما كان منه من الأعمال الطاعة{[8518]} لربه والائتمار لأمره ، موصوف هو بالطيب ، وجعله من جوهر الطيب ، والكافر لما يكون منه من الأعمال الخبيثة ، ولا يكون [ له ]{[8519]} من الأعمال الصالحة الطاعة{[8520]} لربه خبيث ، كما أن الأرض التي يخرج منها النبات الذي ينتفع به موصوفة بطيب الأصل والجوهر ، والتي لا يخرج منها النبات ، ولا ينتفع به ، موصوفة بخبث الأصل .

وأمكن من وجه آخر ؛ وهو أن الله عز وجل جعل هذا القرآن مباركا شفاء للخلق على ما وصفه الله تعالى في غير موضع من الكتاب ، ووصف الماء الذي ينزل من السماء بالبركة والرحمة . فإذا أنزل ذلك الماء المبارك في الأرض الطّيبة الجوهر خرج منها النبات والأنزال ينتفع بها . وإذا نزل في الأرض السّبخة الخبيثة لم يخرج [ النبات ]{[8521]} لخبث أصلها .

فعلى ذلك هذا القرآن هو مبارك شفاء ؛ يسمعه{[8522]} المؤمن ، فيتّبعه به ، ويعمل به ، والكافر يسمعه ، ولا يتّبعه ، ولا يعمل به . فصار مثل المؤمن الذي يسمع هذا القرآن ، ويتّبعه ، ويعمل بما فيه كمثل الماء الذي يدخل في الأرض ، فيخرج منه النبات لطيب جوهرها وأصلها . والكافر مثل الأرض التي لا يخرج منها النبات لخبث أصلها وجوهرها .

وأصله أنه ضرب مثل الذي هو مستحسن بالعقل بالذي هو مستحسن بالطبع ؛ لأن ما حسن في الطبع فإنما معرفته حسنى ، وما حسن في العقل فإنما يعرف حسنه بالدلائل ، وهو غائب . فضرب مثل معرفة حسنه بالعقل بالحسن والمشاهدة ، وهو ما ذكر من النبات الذي يخرج من الأرض ، وذلك يدل على طيب أصلها وجوهرها . [ والذي لا يخرج ]{[8523]} لخبث جوهرها وأصلها . فعلى ذلك المؤمن والكافر .

ثم حسن عمل هذا وطيبه وقبح عمل الآخر وخبثه إنما يظهر في الآخرة ؛ وذلك يوجب البعض أنهما استويا في هذه الدنيا ، فدل أن هناك دارا أخرى فيها يظهر الطّيب من الخبيث ؛ طاب عمل المؤمن وجميع ما يكون منه حسنا لطيب أصله ، وخبث عمل الكافر ، وقبح ما يكون منه لخبث أصله ؛ كالأرض التي ذكر .

وقوله تعالى : { بإذن ربه } يحتمل بعلمه وتكوينه .

وقوله تعالى : { إلا نكدا } قال الحسن : خبيثا ؛ أي لا يخرج إلا خبيثا ، وقال أبو بكر { نكدا } أي لا منفعة فيه ، وقيل : إلا عسيرا ، وقيل : إلا قليلا ، وهو واحد .

وقوله تعالى : { كذلك نصرّف الآيات لقوم يشكرون } أي لقوم ينتفعون بالآيات .


[8518]:في الأصل وم: من الطاعة.
[8519]:من م، ساقطة من الأصل.
[8520]:في الأصل وم: ومن الطاعة.
[8521]:ساقطة من الأصل وم.
[8522]:في الأصل وم: فيسمع.
[8523]:في الأصل وم: والتي لا تخرج شيئا.