السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ} (80)

{ وإذا مرضت } أي : باستيلاء بعض الأخلاط على بعض لما بينهما من التنافر الطبيعي { فهو } أي : وحده { يشفين } أي : بسبب تعديل المزاج بتعديل الأخلاط وقسرها عن الاجتماع لا بطبيب ولا غيره .

فإن قيل : لم أضاف المرض إلى نفسه مع أنّ المرض والشفاء من الله تعالى ؟ أجيب : بأنه قال ذلك استعمالاً لحسن الأدب كما قال الخضر عليه السلام { فأردت أن أعيبها } ( الكهف : 79 ) وقال { فأراد ربك أن يبلغا أشدّهما } ( الكهف ، 82 ) ، وأجاب الرازي بأنّ أكثر أسباب المرض محدث بتفريط الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك ، ومن ثم قال الحكماء لو قيل لأكثر الموتى ما سبب آجالكم لقالوا التخم ، وبأنّ الشفاء محبوب وهو من أصول النعم والمرض مكروه وليس من النعم ، وكان مقصود إبراهيم عليه السلام تعديد النعم ولما لم يكن المرض من النعم لا جرم لم يضفه إلى الله تعالى ولا ينتقض ذلك بإسناد الإماتة إليه كما سيأتي ، فإنّ الموت ليس بضرّ لأنّ شرط كونه ضرّاً وقوع الإحساس به وحال الموت لا يحصل الإحساس به إنما الضرر في مقدماته وذلك هو عين المرض ، ولأنّ الأرواح إذا كملت في العلوم والأخلاق كان بقاؤها في هذه الأجساد عين الضرر وخلاصها عنها عين السعادة بخلاف المرض .