السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَرَبُّكَ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (68)

ولما كان كأنه قيل ما لأهل القسم الأوّل لا يتوخون النجاة من ضيق ذلك البلاء إلى رحب هذا الرجاء وكان الجواب ربك منعهم من ذلك ، وما له لم يقطع لهذا القسم بالفلاح كما قطع لأهل القسم الأوّل بالشقاء كان الجواب { وربك يخلق ما يشاء ويختار } لا موجب عليه ولا مانع له { ما كان لهم الخيرة } أي : أن يفعلوا يفعل لهم كل ما يختارونه .

تنبيه : الخيرة بمعنى التخير كالطيرة بمعنى التطير ، وظاهره نفي الاختيار عنهم رأساً ، قال البيضاوي والأمر كذلك عند التحقيق فإن اختيار العبيد مخلوق منوط بدواع لا اختيار لهم فيها ، وقال الرازي في اللوامع : وفيه دليل على أنّ العبد في اختياره غير مختار فلهذا أهل الرضا حطوا الرحال بين يدي ربهم وسلموا الأمور إليه بصفاء التفويض يعني فإن أمرهم أو نهاهم بادروا وإن أصابهم سهام المصائب العظام صابروا وإن أعزهم أعزوا أنفسهم وأكرموا وإن أذلهم رضوا وسلموا فلا يرضيهم إلا ما يرضيه ولا يريدون إلا ما يريده فيمضيه ، قال القائل :

وقف الهوى لي حيث أنت فليس لي *** متأخر عنه ولا متقدّم

أجد الملامة في هواك لذيذة *** حباً لذكرك فليلمني اللوّم

وأهنتني فأهنت نفسي صاغراً *** ما من يهون عليك ممن يكرم

وقيل : ما موصولة مفعول ليختار والراجع محذوف ، والمعنى ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة أي : الخير والصلاح { سبحان الله } تنزيهاً له أن يزاحمه أحد أو ينازع اختياره { وتعالى } أي : علا علواً لا تبلغ العقول توجيه كنه مداه { عما يشركون } أي : عن إشراكهم أو مشاركة ما يشاركونه به .