السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَدۡ كَانَ لَكُمۡ ءَايَةٞ فِي فِئَتَيۡنِ ٱلۡتَقَتَاۖ فِئَةٞ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخۡرَىٰ كَافِرَةٞ يَرَوۡنَهُم مِّثۡلَيۡهِمۡ رَأۡيَ ٱلۡعَيۡنِۚ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصۡرِهِۦ مَن يَشَآءُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ} (13)

{ قد كان لكم آية } أي : عبرة ودلالة على صدق ما أقول لكم إنكم ستغلبون .

فإن قيل : لِمَ لَمْ يقل قد كانت ؛ لأنّ الآية مؤنثة ؟ أجيب : بأنه إنما ذكر الفعل للفصل بينه وبين الاسم المؤنث بلكم فإن الفصل مسوغ لذلك مع المؤنث الحقيقي كقوله :

إنّ امرأ غره منكنّ واحدة *** بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور

قال الفرّاء : وكل ما جاء من هذا النحو فهذا وجهه والخطاب لمشركي قريش وقيل : لليهود وقيل : للمؤمنين { في فئتين } أي : فرقتين { التقتا } يوم بدر { فئة } مؤمنة { تقاتل في سبيل الله } أي : طاعته وهم النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، سبعة وسبعون رجلاً من المهاجرين ، ومائتان وستة وثلاثون رجلاً من الأنصار ، وصاحب راية المهاجرين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة ، وكان فيهم سبعون بعيراً وفرسان فرس للمقداد بن عمرو وفرس لمرثد بن أبي مرثد وأكثرهم رجالة وكان معهم من السلاح ستة أدرع وثمانية سيوف { و } فئة { أخرى كافرة } تقاتل في سبيل الشيطان وهم مشركو مكة وقوله تعالى : { يرونهم مثليهم } قرأ نافع بالتاء على الخطاب أي : ترى المؤمنون المشركين مثلي المؤمنين وكانوا ثلاثة أمثالهم ليثبتوا لهم ويوقنوا بالنصر الذي وعدهم به في قوله : { فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين } ( الأنفال ، 66 ) بعدما كلفوا أن يقاوم الواحد العشرة في قوله تعالى : { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } ( الأنفال ، 65 ) والباقون بالياء على الغيبة أي : يرى المشركون المؤمنين مثلي عدد المشركين وكانوا تسعمائة وخمسين أو مثلي عدد المسلمين وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر .

فإن قيل : هذا مناقض لقوله تعالى في سورة الأنفال { ويقللكم في أعينهم } ( الأنفال ، 44 ) أجيب : بأنه قللهم أوّلاً حتى اجترؤوا عليهم ، فلما لاقوهم كثروا إمداداً من الله تعالى للمؤمنين في أعينهم حتى غلبوا فكان التقليل والتكثير في حالين مختلفين { رأي } أي : في رأي { العين } أي : رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها معاينة كسائر المعاينات وقد نصرهم الله تعالى مع قلتهم { والله يؤيد } أي : يقوي { بنصره من يشاء } نصره كما أيد أهل بدر بتكثيرهم في عين العدوّ { إنّ في ذلك } المذكور { لعبرة } أي : عظة { لأولي الأبصار } أي : لذوي البصائر أفلا تعتبرون بذلك فتؤمنون .