السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلۡمَـَٔابِ} (14)

{ زين للناس حب الشهوات } أي : ما تشتهيه النفس ، وتدعو إليه ، والمزين هو الله تعالى للابتلاء كقوله تعالى : { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم } ( الكهف ، 7 ) أو لأنه من أسباب التعيش وبقاء النوع الإنساني أو لأنه يكون وسيلة إلى السعادة الأخروية إذا كان على وجه يرتضيه الله وقيل : الشيطان هو المزين ، وذهب إليه المعتزلة واستدلوا بقول الحسن : الشيطان والله زينها لأنا لا نعلم أحداً أذم لها من خالقها ، وإنما سميت شهوات مبالغة وإيماء إلى أنهم انهمكوا في محبتها حتى أحيوا شهواتها كقوله تعالى : { أحببت حب الخير } ( ص ، 32 ) والشهوة مسترذلة عند الحكماء مذموم من اتبعها شاهد على نفسه بالبهيمية ثم بيّن ذلك بقوله تعالى : { من النساء } إنما بدأ بهنّ لأنهنّ حبائل الشيطان { والبنين والقناطير } جمع قنطار وهو المال الكثير قيل : ملء مسك ثور أي : ملء جلده وعن سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنه : القنطار مائة ألف دينار . وقال ابن عباس والضحاك : ألف ومائتا مثقال { المقنطرة } أي : المجمعة . وقال السديّ : المضروبة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير . وقال الفرّاء : المضعفة فالقناطير ثلاثة والمقنطرة تسعة { من الذهب والفضة } قيل : سمي الذهب ذهباً ؛ لأنه يذهب ولا يبقى والفضة فضة ؛ لأنها تنفض أي : تتفرّق { والخيل المسوّمة } أي : الحسان ، وقال سعيد بن جبير : هي الراعية يقال : أسام الخيل وسوّمها والخيل جمع لا واحد له من لفظه واحدها فرس كالقوم والنساء { والأنعام } جمع النعم وهي الإبل والبقر والغنم جمع لا واحد له من لفظه { والحرث } أي : الزرع { ذلك } أي : ما ذكر من النساء وما بعده { متاع الحياة الدنيا } أي : يتمتع به فيها ثم يفنى { والله عنده حسن المآب } أي : المرجع وهو الجنة فينبغي الرغبة فيما عنده من اللذات الحقيقية الأبدية دون غيره من الشهوات الناقصة الفانية .

فإن قيل : المآب قسمان : الجنة وهي في غاية الحسن والنار وهي خالية عن الحسن كما قال تعالى : { إنّ جهنم كانت مرصاداً 21 للطاغين مآباً } ( النبأ ، 21 ) أجيب : بأنّ المقصود بالذات هو الجنة ، وأمّا النار فمقصودة بالعرض والمقصود بالآية الترهيب في الدنيا والترغيب في الآخرة .