السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (101)

ولما أوجب الله السفر للجهاد والهجرة وكان مطلق السفر مظنة المشقة فكيف بسفرهما مع ما ينضم إلى المشقة فيهما من خوف الأعداء ذكر تخفيف الصلاة بالقصر بقوله تعالى :

{ وإذا ضربتم } أي : سافرتم { في الأرض } سفراً طويلاً لغير معصية ، والطويل عند الشافعيّ رحمه الله تعالى أربعة برد وهي مرحلتان كما ثبت ذلك بالنسبة ، وعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ثلاثة أيام ولياليهنّ بسير الإبل ومشي الأقدام على القصد ، وقوله تعالى : { فليس عليكم جناح } أي : إثم وميل في { أن تقصروا من الصلاة } أي : من أربع إلى ركعتين ، وذلك في صلاة الظهر والعصر والعشاء يدل على جواز القصر دون وجوبه ، ويؤيده أنه عليه الصلاة والسلام أتم في السفر كما رواه الشافعيّ وغيره .

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها : اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي قصرت وأتممت وصمت وأفطرت فقال : ( أحسنت يا عائشة وما عاب عليّ ) رواه الدارقطني وحسنه البيهقيّ وصححه ، وكان عثمان رضي الله تعالى عنه : يتم ويقصر ، وأوجب القصر أبو حنيفة لقول عمر رضي الله تعالى عنه : صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم ، رواه النسائيّ وابن ماجه ، ولقول عائشة رضي الله تعالى عنها : ( أوّل ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين فأقرّت في السفر وزيدت في الحضر ) رواه الشيخان .

فإن قيل : ظاهرهما يخالف الآية ؟ أجيب : بأنّ الأوّل مؤوّل بأنّ القصر كالتمام في الصحة والإجزاء ، ومعنى الثاني لمن أراد الاقتصار عليهما جمعاً بين الأدلة ، وقوله تعالى : { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } أي : ينالوكم بمكروه بيان باعتبار الغالب في ذلك الوقت فلا مفهوم له ، قال يعلى بن أمية : قلت لعمر : إنما قال الله تعالى : { إن خفتم } وقد أمن الناس قال : قد عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) رواه مسلم { إنّ الكافرين كانوا } أي : جبلة وطبعاً { لكم عدوّاً مبيناً } أي : بين العداوة وقوله تعالى :