السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية ، في قول الأكثرين ، وقال الضحاك : مكية ، وقال الكلبي : مدنية ومكية . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن سورة التغابن نزلت بمكة إلا آيات من آخرها نزلت بالمدنية في عوف بن مالك الأشجعي ، شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جفاء أهله وولده ، فأنزل الله عز وجلّ { يا أيها الذين آمنوا إنّ من أزواجكم وأولادكم عدوّاً لكم } إلى آخرها ، وهي ثماني عشرة آية ، ومائتان وإحدى وأربعون كلمة ، وألف وسبعون حرفاً .

{ بسم الله } مالك الملك فلا كفء له ولا مثيل { الرحمن } أي : الذي وسع الخلائق بره الجليل { الرحيم } الذي خص من عمه فوفقهم للجميل .

{ يسبح } أي : يوقع التنزيه التامّ مع التجديد والاستمرار { لله } أي : الذي له الإحاطة بأوصاف الكمال { ما في السماوات } أي : كلها { وما في الأرض } كذلك ، وقيل : اللام زائدة ، أي : ينزه الله تعالى ، قال الجلال المحلي : وأتى بما دون من تغليباً للأكثر { له } أي : وحده { الملك } أي : كله مطلقاً في الدنيا والآخرة { وله } أي : وحده { الحمد } أي : الإحاطة بأوصاف الكمال كلها ، فلذلك نزهه جميع مخلوقاته وقدّم الظرفين ليدل بتقديمهما على معنى اختصاص الملك والحمد بالله تعالى ، وذلك بأنّ الملك على الحقيقة له ، لأنه مبدئ كل شيء ومبدعه ، والقائم به والمهيمن عليه ، وكذا الحمد لأنّ أصول النعم وفروعها منه وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء وحمده اعتداد بأنّ نعمة الله جرت على يده { وهو على كل شيء قدير } .