وقوله تعالى : { ما أنت } أي : يا أعلى المتأهلين لخطابنا { بنعمة } أي : بسبب إنعام { ربك } أي : المربي لك بمثل تلك الهمم العالية والسجايا الكاملة ، بأن خصك بالقرآن الذي هو الجامع لكل علم وحكمة { بمجنون } جواب القسم ، وهو نفي ، قال الزجاج : أنت هو اسم ما وبمجنون الخبر . وقوله تعالى : { بنعمة ربك } كلام وقع في الوسط ، أي : انتفى ذلك الجنون بنعمة ربك ، كما يقال : أنت بحمد ربك عاقل بل الذي وصفك بهذا هو الحقيق باسم الجنون ، وقال البغوي : ما أنت بنعمة ربك بنبوة ربك بمجنون ، أي : إنك لا تكون مجنوناً وقد أنعم الله تعالى عليك بالنبوة والحكمة ، وقيل : بعصمة ربك ، وقيل : هو كما يقال : ما أنت بمجنون والحمد لله ، وقيل : معناه ما أنت بمجنون والنعمة لربك ، كقولهم : سبحانك اللهمّ وبحمدك ، أي : والحمد لك .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما : «أنه صلى الله عليه وسلم غاب عن خديجة إلى حراء فطلبته فلم تجده ، فإذا به ووجهه متغير امتلأ غباراً ، فقالت له : ما لك ، فذكر جبريل عليه السلام وأنه قال له : { اقرأ باسم ربك } [ العلق : 1 ] فهو أول ما نزل من القرآن قال : ثم نزل بي إلى قرار الأرض ، فتوضأ وتوضأت ثم صلى وصليت معه ركعتين ، وقال : هكذا الصلاة يا محمد ، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لخديجة فذهبت به خديجة إلى ورقة بن نوفل ، وهو ابن عمها ، وكان قد خالف دين قومه ودخل في النصرانية ، فسألته فقال : أرسلي إلي محمداً فأرسلته ، فقال : هل أمرك جبريل عليه السلام أن تدعو أحداً ، قال : لا فقال : والله لئن بقيت إلى دعوتك لأنصرنك نصراً عزيزاً ، ثم مات قبل دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم . ووقعت تلك الواقعة في ألسنة كفار قريش فقالوا : إنه مجنون ، وأقسم الله تعالى على أنه ليس بمجنون ، وهو خمس آيات من أول هذه السورة .
وقال ابن عباس : أول ما نزل قوله تعالى : «سبح اسم ربك الأعلى » [ الأعلى : 1 ] وهذه الآية هي الثانية نقله الرازي ، وذكر القرطبي أن المشركين كانوا يقولون للنبيّ صلى الله عليه وسلم مجنون به شيطان ، وهو قولهم : { يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } [ الحجر : 6 ] فأنزل الله تعالى رداً عليهم وتكذيباً لقولهم : { فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون } [ الطور : 29 ] ، أي : برحمة ربك والنعمة هاهنا الرحمة ، وقال عطاء وابن عباس : يريد بنعمة ربك عليك بالإيمان والنبوة ، وقال القرطبي : يحتمل أن النعمة هاهنا قسم ، تقديره ما أنت ونعمة ربك بمجنون ، لأن الواو والباء من حروف القسم .
وقال الرازي : إنه تعالى وصفه بصفات ثلاث :
الأولى : نفي الجنون عنه ، ثم قرن بهذه الدعوى ما يكون كالدلالة القاطعة على صحتها ، لأن قوله : { بنعمة ربك } يدل على أن نعم الله تعالى ظاهرة في حقه ، من الفصاحة التامة والعقل الكامل ، والسيرة المرضية والبراءة من كل عيب والاتصاف بكل مكرمة ، وإذا كانت هذه النعم المحسوسة ظاهرة ووجودها ينافي حصول الجنون ، فالله تعالى نبه على أن هذه الدقيقة جارية مجرى الدلالة اليقينية على كذبهم في قولهم : مجنون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.