إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (16)

{ تتجافى جُنُوبُهُمْ } أي تنبُو وتنْحَى { عَنِ المضاجع } أي الفُرشِ ومواضعِ المنامِ . والجملةُ مستأنفةٌ لبيانِ بقيةِ محاسنِهم وهم المُتهجِّدونَ بالليلِ . قال أنسٌ رضي الله عنه : نزلتْ فينا معاشرَ الأنصارِ كنَّا نصلِّي المغربَ فلا نرجعُ إلى رحالِنا حتى نصلِّي العشاءَ مع النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ . وعن أنسٍ أيضاً رضي الله عنه أنَّه قال : نزلتْ في أناسٍ من أصحابِ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كانوا يصلُّون من صلاةِ المغربِ إلى صلاةِ العشاءِ وهي صلاةُ الأوَّابينَ وهو قولُ أبي حازمٍ ومحمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ ، وهو مرويٌّ عن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما .

وقال عطاءٌ : هم الذين لا ينامُون حتَّى يصلُّوا العشاءَ الآخرةَ والفجرَ في جماعةٍ . والمشهورُ أنَّ المرادَ منه صلاةُ اللَّيلِ وهو قولُ الحسنِ ومجاهدٍ ومالكٍ والأوزاعيِّ وجماعةٍ ، لقولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : ( أفضلُ الصِّيامِ بعد شهرِ رمضانَ شهرُ الله المحرَّمُ وأفضلُ الصَّلاةِ بعد الفريضةِ صلاةُ اللَّيلِ{[654]} ) وعن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في تفسيرِها : ( قيامُ العبدِ من الليلِ ) وعنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : ( إذا جمعَ الله الأوَّلينَ والآخرينَ جاء منادٍ ينادي بصوتٍ يُسمع الخلائقَ كلَّهم سيعلم أهلُ الجمعِ اليَّومَ من أولى بالكرمِ ثم يرجعُ فيُنادي ليقُم الذين كانتْ تتجَافى جنوبُهم عن المضاجعِ فيقومونَ وهُم قليلٌ ثم يرجعُ فيُنادي ليقُم الذين كانُوا يحمدون الله في السرَّاءِ والضَّراءِ فيقومون وهُم قليلٌ فيسرَّحُون جميعاً إلى الجنَّةِ ، ثم يُحاسَب سائرُ النَّاسِ ) . وقولُه تعالى : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } حالٌ من ضميرِ جنوبُهم أي داعينَ له تعالى على الاستمرارِ { خَوْفًا } من سخطِه وعذابِه وعدمِ قبولِ عبادتِه { وَطَمَعًا } في رحمتِه { وَمِمَّا رزقناهم } من المالِ { يُنفِقُونَ } في وجوهِ البرِّ والحسناتِ .


[654]:أخرجه وبلفظ مختلف وبنفس المعنى الترمذي في كتاب الزكاة باب (38) وابن ماجه في كتاب الصيام باب (43) وأحمد في المسند (2/303، 329).