إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلَّـٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةٗ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا} (15)

{ واللاتي يَأْتِينَ الفاحشة مِن نّسَائِكُمْ } شروعٌ في بيان بعضٍ آخَرَ من الأحكام المتعلقةِ بالنساءِ إثرَ بيانِ أحكامِ المواريثِ ، واللاَّتي جمعُ التي بحسب المعنى دون اللفظِ وقيل جمعٌ على غير قياسٍ ، والفاحشةُ الفَعلةُ القبيحةُ أريد بها الزنا لزيادة قُبحِه ، والإتيانُ الفعلُ والمباشرةُ يقال أتى الفاحشةَ أي فعلها وباشرها وكذا جاءها ورهَقها وغشِيَها ، وقرئ بالفاحشة ، فالإتيانُ بمعناه المشهورِ ، و( من ) متعلقةٌ بمحذوف وقعَ حالاً من فاعل يأتي أي اللاَّتي يفعلْن الزنا كائناتٍ من نسائكم أي من أزواجكم كما في قوله تعالى : { والذين يظاهرون مِن نّسَائِهِمْ } [ المجادلة ، الآية 3 ] وقوله تعالى : { من نِسَائِكُمُ اللاتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ } [ النساء ، الآية 23 ] وبه قال السدي { فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً منْكُمْ } خبرٌ للموصول ، والفاءُ للدلالة على سببية ما في حيز الصلةِ للحكم ، أي فاطلبوا أن يشهَدَ عليهن بإتيانها أربعةٌ من رجال المؤمنين وأحرارِهم . { فَإِن شَهِدُوا } عليهن بذلك { فَأَمْسِكُوهُنَّ في البيوت } أي فاحبِسوهن فيها واجعلوها سِجْناً عليهن { حتى يَتَوَفَّاهُنَّ } أي إلى أن يستوفيَ أرواحَهن { الموت } وفيه تهويلٌ للموت وإبرازٌ له في صورة من يتولى قبضَ الأرواحِ ويتوفاها ، أو يتوفاهن ملائكةُ الموتِ { أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً } أي يشرع لهن حكماً خاصًّا بهن ولعل التعبيرَ عنه بالسبيل للإيذان بكونه طريقاً مسلوكاً فليس فيه دَلالةٌ على كونه أخفَّ من الحبس كما قاله أبو مسلم .