إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ كَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُم} (14)

{ أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ من ربّهِ } تقريرٌ لتباينِ حَالَيْ فَريَقيْ المؤمنينَ والكافرينَ وكونِ الأولينَ في أعلى علّيينَ والآخرينَ في أسفلِ سافلينَ وبيانٌ لعلةِ ما لكلَ منهُمَا من الحالِ . والهمزةُ للإنكارِ ، والفاءُ للعطفِ على مقدرٍ يقتضيهِ المقامُ ، وقد قُرِئ بدونها . ومَنْ عبارةٌ عن المؤمنينَ المتمسكينَ بأدلةِ الدِّينِ ، وجعلُها عبارةً عن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أو عنْهُ وعنِ المؤمنينَ لا يساعدُه النظمُ الكريمُ على أنَّ الموازنةَ بينه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وبينَهم مما يأباهُ منصبُه الجليلُ . والتقديرُ أليسَ الأمرُ كما ذُكِرَ فمنْ كانَ مستقراً على حجةٍ ظاهرةٍ وبرهانٍ نيّرٍ من مالكِ أمرِه ومربّيهِ وهو القرآنُ الكريمُ وسائرُ المعجزاتِ والحججِ العقليةِ . { كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ } من الشركِ وسائرِ المعاصيِ مع كونِه في نفسِه أقبحَ القبائحِ { واتبعوا } بسببِ ذلكَ التزيينِ { أَهْوَاءهُم } الزائغةَ وانهمكُوا في فنونِ الضلالاتِ من غيرِ أنْ يكونَ لهم شبهةٌ توهمُ صحةَ ما هُم عليهِ فضلاً عن حجةٍ تدلُّ عليهِ . وجمعُ الضميرينِ الأخيرينِ باعتبارِ مَعْنى مَنْ ، كما أنَّ إفرادَ الأولَينِ باعتبارِ لفظِها .