إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةٗۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ} (18)

{ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا الساعة } أي القيامةَ . وقولُه تعالى : { أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } أي تُباغتُهم بغتةً وهي المفاجأةُ . بدلُ اشتمالٍ من الساعةَ والمعنى أنَّهم لا يتذكرونَ بذكرِ أهوالِ الأممِ الخاليةِ ولا بالأخبارِ بإتيانِ الساعةِ وما فيها من عظائمِ الأهوالِ وما ينتظرونَ للتذكرِ إلا إتيانِ نفسِ الساعةِ بغتةً . وقُرِئ بَغَتةً بفتحِ الغينِ . وقولُه تعالى : { فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا } تعليلٌ لمفاجأتِها ، لا لإتيانِها مُطلقاً على معنى أنه لم يبقَ من الأمورِ الموجبةِ للتذكِر أمرٌ مترقبٌ ينتظرونَهُ سوى إتيانِ نفسِ الساعةِ إذْ قد جاءَ أشراطُها فلم يرفعُوا لها رأساً ولم يعدّوها من مبادئ إتيانِها فيكون إتيانُها بطريقِ المفاجأةِ لا محالةَ . والأشراطُ جمعُ شَرَطٍ بالتحريكِ ، وهي العلامةُ والمرادُ بها مبعثُه صلى الله عليه وسلم وانشقاقُ القمرِ ونحوُهما . وقولُه تعالى : { فأنى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } حكمٌ بخطِئهم وفسادِ رأيهم في تأخيرِ التذكرِ إلى إتيانِها ببيانِ استحالةِ نفعِ التذكرِ حينئذٍ كقولِه تعالى : { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان وأنى لَهُ الذكرى } [ سورة الفجر ، الآية 23 ] أي وكيفَ لهم ذكراهُم إذا جاءتْهُم على أن أنَّى خبرٌ مقدمٌ وذكراهُم مبتدأٌ وإذا جاءتْهُم اعتراضٌ وسطٌ بينهما رمزاً إلى غايةِ سرعةِ مجيئِها وإطلاقُ المجيء عن قيدِ البغتِه لما أن مدارَ استحالةِ نفعِ التذكرِ كونُه عند مجيئِه مطلقاً لا مقيداً بقيدِ البغتِة . وقُرِئ أنْ تأتِهم على أنَّه شرطٌ مستأنفٌ جزاؤُه فأنَّى لهم إلخ . والمعنى إنْ تأتِهم الساعةُ بغتةً لأنه قد ظهرَ أماراتُها فكيفَ لهم تذكرُهم واتعاظُهم إذا جاءتْهُم .