إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (27)

{ واتلُ عَلَيْهِمْ } عطف على مقدّر تعلق به قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ موسى } [ المائدة ، الآية 19 ] الخ ، وتعلُقه به من حيث إنه تمهيدٌ لما سيأتي من جِنايات بني إسرائيلَ بعد ما كُتب عليهم ما كُتب وجاءتهم الرسلُ بما جاءت به من البينات { نَبَأَ ابْنَي آدَم } هما قابيلُ وهابيلُ ، ونُقل عن الحسن والضحاك أنهما رجلان من بني إسرائيلَ بقرينةٍ آخِرَ القصة ، وليس كذلك . أوحى الله عز وجل إلى آدمَ أن يزوج كلاًّ منهما توأمةَ الآخر وكانت توأمةُ قابيلَ أجملَ واسمُها إقليما فحسده عليها أخاه وسخِط ، وزعم أن ذلك ليس من عند الله تعالى بل من جهة آدمَ عليه السلام فقال لهما عليه السلام : قرِّبا قُرباناً فمِنْ أيِّكما قُبل تزوّجها ، ففعلا ، فنزلت نارٌ على قُربانِ هابيلَ فأكلتْه ولم تتعرَّضْ لقُربانِ قابيلَ ، فازداد قابيلُ حسَداً وسُخْطاً وفعل ما فعل ، { بالحق } متعلق بمحذوفٍ وقع صفةً لمصدرٍ محذوف ، أي تلاوةً ملتبسةً بالحق والصِّحة ، أو حالاً من فاعلِ ( اتْلُ ) أو من مفعوله ، أي ملتبساً أنت أو [ اتل ] نبأَهما بالحق والصدقِ حسبما تقرّر في كتب الأولين { إِذْ قَرَّبَا قرباناً } منصوب بالنبأ ظرفٌ له أي اتلُ قصتهما ونبأهما في ذلك الوقت ، وقيل : بدلٌ منه على حذف المضافِ أي اتلُ عليهم نبأهما نبأَ ذلك الوقت ، ورُد عليه بأن ( إذ ) لا يضاف إليها غيرُ الزمان كوقتئذ وحينئذ ، والقُربان اسمٌ لما يُتقرَّب به إلى الله تعالى من نسُكٍ أو صَدَقةٍ كالحُلوان اسمٌ لما يُحْلى أي يعطى ، وتوحيدُه لما أنه في الأصل مصدرٌ ، وقيل : تقديره إذ قرّب كلٌّ منهما قرباناً { فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا } هو هابيلُ ، قيل : كان هو صاحبَ ضَرْعٍ وقرب جَملاً سميناً فنزلت نارٌ فأكلتْه { وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر } هو قابيل ، قيل : كان هو صاحبَ زرع وقرّب أردأَ ما عنده من القمح فلم تتعرضْ له النارُ أصلاً . { قَالَ } استئناف مبنيٌّ على سؤالٍ نشأ من سَوْق الكلام كأنه قيل : فماذا قال من لم يُتقبَّلْ قُربانه ؟ فقيل : قال لأخيه لِتضاعُفِ سَخَطِه وحسَدِه لما ظهر فضلُه عليه عند الله عز وجل { لاَقْتُلَنَّكَ } أي والله لأقتلنَّك بالنون المشددة وقرئ بالمخففة { قَالَ } استئناف كما قبله أي قال الذي تُقُبِّل قُربانُه لمّا رأى أن حسَدَه لقَبول قُربانه وعدمِ قَبول قُربانِ نفسِه { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله } أي القربانَ { مِنَ المتقين } لا من غيرهم ، وإنما تقبَّلَ قُرباني وردّ قُربانَك لما فينا من التقوى وعدمِه ، أي إنما أُتيتَ من قِبَل نفسِك لا من قِبَلي فلم تقتلني ؟ خلا أنه لم يصرِّحْ بذلك بل سلك مسلكَ التعريضِ حذراً من تهييج غضبه وحملاً له على التقوى والإقلاعِ عما نواه ولذلك أُسند الفعلُ إلى الاسم الجليل لتربية المهابة .