إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تَأۡكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَقَدۡ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيۡكُمۡ إِلَّا مَا ٱضۡطُرِرۡتُمۡ إِلَيۡهِۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا لَّيُضِلُّونَ بِأَهۡوَآئِهِم بِغَيۡرِ عِلۡمٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُعۡتَدِينَ} (119)

{ وَمَا لَكُمْ أَن لا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ } إنكارٌ لأن يكون لهم شيءٌ يدعوهم إلى الاجتناب عن أكل ما ذُكر عليه اسمُ الله تعالى من البحائر والسوائبِ ونحوِها وقوله تعالى : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم } الخ ، جملةٌ حاليةٌ مؤكدةٌ للإنكار كما في قوله تعالى : { وَمَا لَنَا أَن لا نقاتل في سَبِيلِ الله وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن ديارنا وَأَبْنَائِنَا } [ البقرة ، الآية 246 ] أي وأيُّ سببٍ حاصلٍ لكم في ألا تأكُلوا مما ذكر اسمُ الله عليه ، أو وأيُّ غرضٍ يحمِلُكم على أن لا تأكلوا ويمنعُكم من أكله والحالُ أنه قد فصل لكم { ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } بقوله تعالى : { قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوْحِي إِلَيّ مُحَرَّمًا } [ الأنعام ، الآية 145 ] الخ ، فبقي ما عدا ذلك على الحِلّ لا بقوله تعالى : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة } [ المائدة ، الآية 3 ] الخ ، لأنها مدنية ، وأما التأخرُ في التلاوة فلا يوجبُ التأخّرَ في النزول ، وقرئ الفعلان على البناء للمفعول وقرئ الأول على البناء للفاعل والثاني للمفعول { إِلاَّ مَا اضطررتم إِلَيْهِ } مما حرّم فإنه أيضاً حلالٌ حينئذ { وَإِنَّ كَثِيرًا } أي من الكفار { ليُضِلُّونَ } الناسَ بتحريم الحلالِ وتحليلِ الحرام كعمرو بنِ لُحَيّ وأضرابِه وقرئ يَضِلّون { بِأَهْوَائِهِم } الزائغةِ وشهواتِهم الباطلة { بِغَيْرِ عِلْمٍ } مقتبسٍ من الشريعة الشريفة مستندٍ إلى الوحي { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بالمعتدين } المتجاوزين لحدود الحقِّ إلى الباطل والحلالِ إلى الحرام .