الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (142)

{ سَيَقُولُ السُّفَهَآءُ } الجهال . { مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ } صرفهم وحوّلهم . { عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا } من بيت المقدس . نزلت في اليهود ومشركي العرب بمكّة ومنافقي المدينة طعنوا في تحويل القبلة وقال مشركوا مكّة : قد تردّد على محمّد أمره واشتاق إلى مولده ومولد آباءه قد توجّه نحو قبلتكم وهو راجع إلى دينكم عاجلاً .

قال الله { قُل للَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } ملكاً والخلق عبيدهُ يحولهم كيف شاء . { يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } عدلاً خياراً . تقول العرب : إنزل وسط الوادي : أي تخيّر موضعاً فيه ، ويُقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو وسط قريش نسباً أي خيرهم : قال الله تعالى و { قَالَ أَوْسَطُهُمْ } [ القلم : 28 ] ، أي أخيرهم وأعدلهم ، وأصله هو أنّ خير الأشياء أوسطها . قال زهير :

هم وسط ترضى الأنام لحكمهم *** إذا نزلت احدى الليالي بمعظم

وقال الكلبي : يعني متوسطة أهل دين وسط بين الغلو والتقصير لأنّهما مذمومان في الدّين . قال ثعلب : يُقال : جلس وسط القوم ووسط الدّار ، وكذلك فيما يُحتمل البينونة ( واحتمل وسطاً له ) بالفتح وكذلك فيما لا يحتمل البينونة .

نزلت هذه الآية في مرحب وربيع وأصحابهما من رؤساء اليهود قالوا لمعاذ بن جبل : ما ترك محمّد قبلتنا إلاّ حسدا ، وإنّ قبلتنا قبلة الأنبياء ، ولقد علم محمّد إنّا عدل بين النّاس . فقال معاذ : إنّا على حق وعدل . فأنزل الله { وَكَذَلِكَ }