الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَقُلۡنَا يَـٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (35)

{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } وذلك أن آدم عليه السلام كان في الجنّة وحِشاً ولم يكن له من يُجالسه ويؤانسه ، فنام نومة فخلق الله تعالى زوجته من قصيراه من شقّه الأيسر من غير أن يحسّ آدم بذلك ولا وجد له ألماً ولو ألم من ذلك لما عطف رجلٌ على امرأة ، فلمّا هبّ آدم من نومه إذا هو بحواء جالسة عند رأسه كأحسن ما خلق الله تعالى ، فقال لها : من أنت ؟ قالت أنا زوجتك خلقني الله لك لتسكن إليّ وأسكن إليك . فقالت الملائكة عند ذلك امتحاناً لعلم آدم : يا آدم ما هذه ؟ قال : امرأة ، قالوا : ما اسمها ؟ قال : حوّاء ، قالوا : لمَ سمّيت حوّاء ؟ قال : لأنها خلقت من حيّ ، قالوا : تحبّها يا آدم ؟ قال : نعم ، فقالوا لحوّاء : أتحبّينه ؟ قالت : لا ، وفي قلبها أضعاف ما في قلبه من حُبّه ، قالوا : فلو صدقت امرأة في حبّها لزوجها لصدقت حوّاء .

مسألة :

قالت القدرّية : إنّ الجنّة التي أسكنها الله آدم وحوّاء لم تكن جنّة الخلد وإنما كان بستاناً من بساتين الدنيا ، واحتجّوا بأن الجنة لا يكون فيها إبتلاء وتكليف .

والجواب :

إنّا قد أجمعنا على أنّ أهل الجنّة مأمورون فيها بالمعرفة ومكلّفون بذلك .

وجواب آخر : إنّ الله تعالى قادر على الجمع بين الأضداد ، فأرى آدم المحنة في الجنّة وأرى إبراهيم النعمة في النار لئلاّ يأمن العبد ربّه ولا يقنط من رحمته وليعلم أنّ له أن يفعل ما يشاء .

واحتجّوا أيضاً بأنَّ من دخل الجنة يستحيل الخروج منها ، قال الله تعالى : { وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ } [ الحجر : 48 ] .

والجواب عنه : إنّ من دخلها للثواب لا يخرج منها أبداً ، وآدم لم يدخلها للثواب ، ألا ترى أنّ رضوان خازن الجنة يدخلها ثم يخرج منها ، وإبليس أيضاً كان داخل الجنّة وأُخرج منها . { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً } واسعاً كثيراً . { حَيْثُ شِئْتُمَا } : كيف شئتما ومتى شئتما وأين شئتما . { وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ } قال بعض العلماء : وقع النهي على جنس من الشجر . وقال آخرون : بل وقع على شجرة مخصوصة واختلفوا فيها ، فقال علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه ) : هي شجرة الكافور .

وقال قتادة : شجرة العلم وفيها من كلّ شيء .

ومحمد بن كعب ومقاتل : هي السنبلة .

وقيل : هي الحَبْلَة وهي الأصلة من أصول الكرم .

أبو روق عن الضحّاك : أنها شجرة التين . { فَتَكُونَا } فتصيرا { مِنَ الْظَّالِمِينَ } لأنفسكما بالمعصية ، وأصل الظلم : وضع الشيء في غير موضعه .