الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَيُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ} (36)

ثمَّ قال عزَّ من قائل { فِي بُيُوتٍ } نظم الآية : ذلك المصباح في بيوت ويجوز أن يكون معناه : توقد في بيوت وهي المساجد ، عن أكثر المفسّرين .

أخبرني ابن فنجويه الدينوري قال : حدّثنا ابن حنش المقري قال : حدّثنا محمد بن أحمد ابن إبراهيم الجوهري قال : حدّثنا علىّ بن أشكاب قال : حدّثنا محمد بن ربيعة الكلابي عن بكير ابن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : المساجد بيوت الله عزّ وجلّ في الأرض ، وهي تضيء لأهل السماء كما تضئ النجوم لأهل الأرض .

وقال عمرو بن ميمون : أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون : المساجد بيوت الله وحقّ على الله أن يكرم من زاره فيها .

وأخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين قال : حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال : حدّثنا عبيد الله بن ثابت الحريري قال : حدّثنا أبو سعيد الأشجّ قال : حدّثنا أبو أُسامة عن صالح بن حيّان عن ابن أبي بريدة في قوله سبحانه { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ } الآية . قال : إنّما هي أربع مساجد لم يبنها إلاّ نبيّ : الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل فجعلاها قبلة ، وبيت المقدس بناه داود وسليمان ، ومسجد المدينة بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء أُسّس على التقوى ، بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الدينوري قال : حدّثنا أبو زرعة أحمد بن الحسين بن علي الرازي قال : حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمذاني بالكوفة قال : حدّثنا المنذر بن محمد القابوسي قال : حدَّثني الحسين بن سعيد قال : حدّثني أبي عن أبان بن تغلب عن نفيع بن الحرث عن أنس بن مالك وعن بريدة قالا : " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } إلى قوله { وَالأبْصَارُ } فقام رجل فقال : أيّ بيوت هذه يا رسول الله ؟

قال : " بيوت الأنبياء " .

قال : فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها -لبيت عليّ وفاطمة - ؟

قال : " نعم من أفاضلها " .

الصادق : بيوت النبي صلى الله عليه وسلم السدّي : المدينة .

وأولى الأقوال بالصواب أنّها المساجد لدلالة سياق الآية على أنها بيوت بنيت للصلاة والعبادة .

فإن قيل : ما الوجه في توحيده المشكاة والمصباح وجمع البيوت ، لا يكون مشكاة واحدة إلاّ في بيت واحد ؟ .

قلنا : هذا من الخطاب المتلوّن الذي يفتح بالتوحيد ويختم بالجمع كقوله سبحانه { يأيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ } ونحوها ، وقيل : رجع الى كلّ واحد من البيوت ، وقيل : هو مثل قوله سبحانه

{ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } [ نوح : 16 ] وإنّما هو في واحدة منها .

{ أَن تُرْفَعَ } أي تبنى عن مجاهد نظيره قوله سبحانه

{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } [ البقرة : 127 ]وقال الحسن : تعظيم ، { وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } قال ابن عباس : يتلى فيها كتابهُ ، { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا } قرأ قتادة وأشهب العقيلي ونصر بن عاصم الليثي وابن عامر وعاصم بفتح الباء على غير تسمية الفاعل .

ثم قال { رِجَالٌ } أي هم رجال كما يقال : ضرب زيد وأكل طعامك فيقال : من فعل ؟ فيبيّن فيقول : فلان ، وفلان والوقف على هذه القراءة عند قوله { وَالآصَالِ } . وقرأ الآخرون بكسر الباء جعلوا التسبيح فعلاً للرجال .

قال ابن عباس : كلّ تسبيح في القرآن صلاة يدلّ عليه قوله سبحانه { بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ } أي بالغداة والعشىّ .

قال المفسّرون : أراد الصلوات المفروضة ، فالصلاة التي تؤدّى بالغدوّ صلاة الفجر ، والتي تؤدّى في الآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين لأنّ اسم الأصيل لجميعها .

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبة قال : حدّثنا عمير بن مرداس قال : حدّثنا إسماعيل بن أبي أُويس قال : حدّثنا عبد الرَّحْمن بن زيد عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أحد يغدو ويروح إلى المسجد ويوثره على ما سواه إلاّ وله عند الله نزل معدّله في الجنّة كلّما غدا وراح ، كما لو أنّ أحدكم زارهُ من يحبّ زيارته في كرامته " .

وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدّثنا إبراهيم بن سهلويه قال : حدّثنا أبو سلمة يحيى بن المغيرة المخزومي قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحسني عن إبراهيم المدني عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَن غدا الى المسجد وراح ليتعلّم خيراً أو يعلّمه كان كمثل المجاهد في سبيل الله رجع غانماً ، ومن غدا إليه لغير ذلك كان كالناظر إلى الشيء ليس له ، يرى المصلين وليس منهم ، ويرى الذاكرين وليس منهم " .