الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{رِجَالٞ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٞ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمٗا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ} (37)

ثمَّ وصفهم فقال { رِجَالٌ } قيل : وجه تخصيص الرجال بالذكر في هذه البيوت أنّه ليس على النساء جمعة ولا جماعة في المساجد { لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ } قال أهل المعاني : إنّما خصّ التجارات لأنّها أعظم ما يشتغل بها الإنسان عن الصلوات وسائر الطاعات { وَلاَ بَيْعٌ } إن قيل : إنّ التجارة اسم يقع على البيع والشراء ، فما معنى ضم ذكر البيع الى التجارة ؟ فالجواب عنه ما قال الواقدي أنّه أراد بالتجارة الشراء نظيره قوله سبحانه

{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً } [ الجمعة : 11 ] يعني الشراء .

{ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ } أي إقامة الصلاة فحذف الهاء الزائدة لأجل الإضافة ، لأنّ الخافض وما خفض عندهم كالحرف الواحد فاستغنوا بالمضاف إليه من الهاء إذ كانت الهاء عوضاً من الواو ، ولأنّ أصل الكلمة أقومت إقواما فاستثقلوا الضمّة على الواو فسكّنوها فاجتمع حرفان ساكنان فأسقطوا الواو ونقلوا حركته الى القاف ، وأبدلوا من الواو المحذوفة هاء في آخر الحرف كالتكثير للحرف كما فعلوا في قولهم : عدة وزنة وأصلها وعدة ووزنة ، فلمّا أُضيفت حذفت الهاء وجعلت الإضافة عوضاً منها ، كقول الشاعر :

إنّ الخليط أجدّوا البين وانجردوا *** وأخلفوك عِدَ الأمر الذي وعدُوا

أراد : عِدَة الأمر فأسقط الهاء منها لما أضافها .

{ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ } المفروضة عن الحسن .

وقال ابن عباس : الزكاة إخلاص الطاعة لله سبحانه وتعالى . قال ابن حيّان : هم أهل الصفّة .

وأخبرني ابن فنجويه قال : أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدّثنا إبراهيم بن سهلويه قال : حدّثنا سلمة بن شبيب قال : حدّثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا جعفر بن سليمان قال : أخبرني عمرو بن دينار مولى لآل الزبير عن سالم عن ابن عمر أنّه كان في السوق فأُقيمت الصلاة ، فأغلقوا حوانيتهم فدخلوا المسجد فقال ابن عمر : فيهم نزلت { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ } .

وأخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الدينوري قال : حدّثنا أبو سعيد أحمد بن عمر بن حبيش الرازي قال : حدّثنا علي بن طيفور النسائي قال : حدّثنا قتيبة قال : حدّثنا ابن لهيعة عن دراج عن أبي حجير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ للمساجد أوتاداً الملائكة جلساؤهم يتفقّدونهم ، وإن مرضوا عادوهم وإن كانوا في حاجة أعانوهم " .

وقال : جليس المسجد على ثلاث خصال : اخ مستفاد ، أو كلمة محكمة ، أو رحمة منتظرة .

{ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ } من هوله بين طمع في النجاة وحذر من الهلاك .

{ وَالأَبْصَارُ } أيّ ناحية يُؤخذ بهم أذات اليمين أم ذات الشمال ؟ ومن أين يؤتون كتبهم أمن قبل اليمين أم من قبل الشمال ؟ وذلك يوم القيامة .