{ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } .
عن غالب القطان قال : أتيتُ الكوفة في تجارة فنزلت قريباً من الأعمش وكنت أختلف إليه . فلما كنتُ ذات ليلة أردتُ أنْ أنحدر إلى البصرة قام من الليل يتهجد ؛ فمر بهذه الآية { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } الآية . ثم قال الأعمش : وأنا أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة ، أن الدين عند الله الإسلام فقالها مراراً . قلت : لقد سمع . فما شيئاً فصلَّيتُ معهُ وودعته ، ثم قلت : آية سمعتك تردِّدها فما بلغك فيها ؟ قال : والله لا أحدث بها إلى سنة . فلبثت على بابه ذلك اليوم ، وأقمت سنة ، فلما مضت السنة قلتُ : يا أيا محمد مضت السنة ، فقال : حدثنا أبو وائل عن عبد الله قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجيء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله : عبدي عهد إليّ وأنا أحقُ من وفى بالعهد . أدخلوا عبدي الجنة " .
خالد بن زيد عن يزيد الرقاسي عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } الآية . . عند منامهِ خلق الله عزَّ وجلَّ له سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة " .
وعن الزبير بن العوام قال : قلت : لأدنونَّ هذه [ العشية ] من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي عشية عرفه حتى أسمع ما يقول ، فحبست ناقتي من ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وناقة رجل كان إلى جنبه .
فسمعتهُ يقول : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } الآية . فما زال يردَّدها حتى دفع .
يعقوب عن جعفر عن سعيد بن جبير قال : كان حول الكعبة ثلاث مائة وستون صنماً . فلما نزلت { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } الآية ، خرَّوا سجّداً .
قال الكلبي : قدم حبران من أهل الشام على النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصرا المدينة ، قال أحدهما لصاحبهِ : ما أشبه هذه المدينة صفة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يخرج آخر الزمان فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم عرفاهُ بالصفة والنعت . فقالا لهُ : أنت محمد ؟ قال : نعم . قالا : وأنت أحمد ؟ قال : أنا محمد وأحمد قالا : إنا نسألك عن شيء فإن أخبرتنا به آمنَّا بك وصدَّقناك . فقال : بلى . قالا : أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب اللَّه ؟ فأنزل اللَّه هذه الآية { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } الآية . . فأسلم الرجلان . واختلف القرّاء في هذه الآية . فقرأ أبو نهيك وأبو الشعثاء : { شَهِدَ اللَّهُ } بالرفع والمدَّ على معنى : هم شهداء يعني : الذين مرَّ ذكرهم .
وروى المهلّب عن محارب بن دثار : { شَهِدَ اللَّهُ } منصوبة على الحال والمدح .
وقرأ الآخرون : { شَهِدَ اللَّهُ } على الفعل أي بيَّن ؛ لأن الشهادة تبيين .
وقال مجاهد : حكم اللَّه ، الفرّاء وأبو عبيدة : قضى اللَّه ، المفضَّل : لعلم اللَّه . ابن كيسان : شهد اللَّه بتدبيره العجيب ، وصنعه المتقن ، وأُموره المحكمة من خلقه أنه لا اله إلا هو ، وهذا كقول القائل :
وللَّهِ في كل تحريكة وتسكينة أبداً شاهد *** وفي كل شيء لهُ آية تدلُ على أنَّهُ واحد
وقيل لبعض الأعراب : ما الدليل على أنَّ للعالم صانعاً ؟
فقال : إنَّ البعرة تدلُ على البعير ، وآثار القدم تدلُ على المسير ، وهيكل علَّوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة ؛ أما يدلاَّن على الصانع الخبير .
قال ابن عباس : " خلق اللَّه الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة وخلق الأرزاق قبل الأرواح بأربعة آلاف سنة ، وشهد بنفسه لنفسهِ قبل أن يخلق الخلق حين كان ولم تكن سماء ولا أرض ولا برَّ ولا بحر ، فقال : شهد اللَّه أنَّهُ لآ اله إلا هو " .
وقرأ ابن مسعود : ( أنَّ لا آله إلا هو . . . )
وقرأ ابن عباس : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ } : بكسر الألف جعلهُ خبراً مستأنفاً معترضاً في الكلام على توهم الفاء ، كأنهُ قال : فإنَّه لآ إله إلاَّ هو ، قاله أبو عبيدة والمفضَّل ، وقال بعضهم : كسره ؛ لأن الشهادة قول وما بعد القول يكون مكسوراً على الحكاية فتقديرهُ قال اللَّه : أنَّهُ لآ اله إلاَّ هو .
{ وَالْمَلاَئِكَةُ } : قال المفضّل : معنى شهادة اللَّه للإخبار والإعلام ، ومعنى شهادة ملائكة اللَّه والمؤمنين الإقرار كقوله :
{ قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا } [ الأنعام : 130 ] أي أقررنا فنسق شهادة الملائكة ، { وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ } على شهادة اللَّه تعالى .
والشهادتان مختلفتان معنى لا لفظاً كقوله عزَّ وجل :
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 56 ] والصلاة من اللَّه " الرحمة " ومن الملائكة " الاستغفار والدعاء " ، وأولوا العلم : يعني الأنبياء ( عليهم السلام ) .
وقال ابن كيسان : يعني المهاجرين والأنصار .
مقاتل : مؤمني أهل الكتاب ، عبد اللَّه بن سلام : وأصحابه : نظيره قوله :
{ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ } [ الإسراء : 107 ] ، وقوله :
{ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } [ الرعد : 43 ] .
وقال السدي والكلبي : يعني علماء المؤمنين كلهم . فقرّب اللَّه تعالى شهادة العلماء بشهادته ؛ لأن العلم صفة اللَّه العليا ونعمته العظمى . والعلماء أعلام الإسلام والسابقون الى دار السلام وسرج الأمكنة وحجج الأزمنة .
وروى صفوان عن سُليم عن جابر بن عبد اللَّه ، قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " ساعة من عالم متّكئ على فراشهِ ينظر في علمهِ خير من عبادة العابد سعبين عاماً " .
المسيب بن شريك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم " تعلَّموا العلم ؛ فإنَّ تعلَّمهُ للَّهِ حسنة ، ومدارسته تسبيح ، والبحث عنهُ جهاد ؛ وتعليمهُ من لا يعلمهُ صدقة ، وتذكره لأهله قربة ؛ لأنه معالم الحلال والحرام ، ومنار سبل الجنة والنار ، والأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة ، والميراث في الخلوة ، والدليل على السرَّاء والضرَّاء ، والسلاح على الأعداء ، والقرب عند الغرباء ، يرفع اللَّه به أقواماً ويجعلهم في الخير قادةً يُقتدى بهم ، ويُبيّن اثارهم ، ويرموا أعمالهم ، ويُنهى الى رأيهم ، وترغب الملائكة في خلتهم ، وبأجنحتها تمسحهم ، وفي صلواتهم تستغفر لهم ، وكل رطب ويابس يستغفر لهم حتى حيتان البحر وسباع الأرض وأنعامها والسماء ونجومها ، ألا فإن العلم خير أنقاب عن الصمى ، ونور الأبصار من الظلم ، وقوة الأبدان من الضعف ، يبلغ بالعبد منازل الأحرار ، ومجالس الملوك ، والفكرُ فيه يُعدل بالصيام ومدارسته بالقيام ، به يُعرف الحلال والحرام ، وبه توصَّل الأرحام ، إمام العمل والعقل تابعهُ ، يُلهم السعد أو يُحرم إذا شقى " .
{ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ } : أي بالعدل ونظام الآية " شهد اللَّه قائماً بالقسط " . وهو نصب على الحال .
وقال الفرّاء : هو نصب على القطع كأن أصله القائم ، وكذلك هو في ( عبد اللَّه ) فلما قطعت الألف واللام نصب لقوله تعالى :
{ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً } [ النحل : 52 ] .
{ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } : أي مدبّر ، رازق ، مُجازي بالأعمال كما يقال : فلان قائم بأمري : أي مدبّر له متعهد لأسبابه ، وقائم بحق فلان : أي بحاله .
{ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } : كرّر ؛ لأنّ الأولى حلت محل الدعوى ، والشهادة الثانية حلت في محل الحكم .
وقال جعفر الصَّادق : الأُولى ( وصف وتوحيد ) والثانية رسمٌ وتعليم يعني قولوا : { لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.