الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّـۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (20)

{ فَإنْ حَآجُّوكَ } : خاصموك يا محمد في الدين ، { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ } : أي انقدت ( لأمر الله ) { للَّهِ } : وحده بقلبي ولساني وجميع جوارحي ، إنَّما خص الوجه لإنَّهُ ؛ أكرم جوارح الإنسان ، وفيه بهاؤه وتعظيمه ، فإذا خضع وجهه لشيء فقد خضع له سائر جوارحه التي هي دون وجهه .

وقال الفرّاء : معناه أخلصت عملي للَّه .

يُقال : أسْلمت الشيء لفلان وسلمتهُ له ، أي دفعته إليه ( . . . . . . ) ومن هذا يُقال : أسلمتُ الغلام إلى ( . . . . ) وفي صناعة كذا . أي أخلصت لها .

والوجه : العمل كقوله : { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } : أي قصده وعمله . وقوله :

{ إِلاَّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى } [ الليل : 20 ] .

{ وَمَنِ اتَّبَعَنِ } : " من " في محل الرفع عطفاً على التاء في قوله : { أَسْلَمْتُ } أي : ومن اتبعني أسْلم كما أسلمت .

وأثبت بعضهم ياء قوله : { اتبعني } على الأصل ، وحذفهُ الآخرون على لفظ ينافي المصحف ( إذا وقعت فيه بغير ياء ) . وأنشد :

كفاك كفَّ ما تليق درهماً *** جوداً وأخرى تعط بالسيف دماً

وقال آخر :

ليس تخفى يسارتي قدر يوم *** ولقد يخفِ شيمتي إعساري

{ وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ } : يعني العرب ( ءأسْلمتم ) : لفظ استفهام ومعناهُ أمر ، أي أسلموا كقوله :

{ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] : أي نهوا ، { فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ } : فقرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هذه الآية ، فقال أهل الكتاب : أسلمنا . فقال للنصارى : أتشهدون أنَّ عيسى كلمة من اللَّه وعبدهُ ورسوله ، فقالوا : معاذ اللَّه .

وقال لليهود : إنّ عزير هو عبد الله ورسوله ، قالوا : معاذ الله فذلك قوله : { وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ } . بتبليغ الرسالة ، { وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } : عالم بمن يؤمن بالله ومن لا يؤمن باللهِ وبأهل الثواب وبأهل العقاب .