{ وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } تكذيباً منه لهم حيث قالوا : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وقرأ أبو عمرو والأعمش وحمزة والكسائي : ( أُذن ) بضم الألف ، واختلف فيها عن عاصم ، وقرأ غيرهم : بالفتح .
{ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ } قرأ ابن عامر ويعقوب بفتح الفاء والزاي ، [ وقرأ ] غيرهما : بضم الفاء وكسر الزاي ، أي كشف الفزع ، وأخرج { عَن قُلُوبِهِمْ } ، وأخبرني ابن فنجويه قال : أخبرني أبو علي بن حبيس المقرئ قال : حدثنا أبو عبيد القاضي قال : أخبرني الحسين بن محمد الصباغ عن عبد الوهاب عن موسى الأسواري عن الحسن أنه كان يقرؤها حتى ( إذا فرع عن قلوبهم ) - بالراء والعين - يعني : فرعت قلوبهم من الخوف .
واختلفوا في هذه الكناية والموصوفين بهذه الصفة ؛ من هم ؟ وما السبب الذي من أجله فزع عن قلوبهم ؟
فقال قوم : هم الملائكة ، ثم اختلفوا في سبب ذلك ، فقال بعضهم : إنما يُفزع عن قلوبهم غشية تصيبهم عند سماعهم كلام الله سبحانه .
أخبرنا عبد الله بن حامد عن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل عن الحسن بن علي بن عفان قال : حدثنا ابن نمير عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله قال : إذا تكلم الله عز وجل بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان فيصعقون عند ذلك ويخرون سجداً ، فإذا علموا أنه وحي فزع عن قلوبهم .
قال : فيُرد إليهم ، فينادي أهل السماوات بعضهم بعضاً : { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } فرفعه بعضهم .
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرني أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي سعيد البزاز قال : حدثنا علي بن أشكاب قال : أخبرني أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفاء ، فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبرائيل ( عليه السلام ) ، فإذا جاءهم جبرائيل عليه السلام فزع عن قلوبهم فيقولون : يا جبرائيل ماذا قال ربك ؟ قال : يقول : الحق ، فينادون : الحق الحق " .
والشاهد لهذا الحديث والمفسر له ما أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الفقيه قال : أخبرني أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب قال : أخبرنا بشر بن موسى قال : حدثنا الحميدي قال : حدّثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال : سمعت عكرمة يقول : سمعت أبا هريرة يقول : إنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قضى الله عز وجل الأمر في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : للذي قال : الحق وهو العلي الكبير " .
وأنبأني عقيل بن محمد عن المعافى بن زكريا عن محمد بن جرير الطبري عن زكريا بن أبان المصري عن نعيم عن الوليد بن مسلم عن عبد الرَّحْمن بن يزيد بن جابر عن أبي زكريا عن رجاء بن حبوة عن النواس بن سمعان قال : قال رسول الله « : " فإذا سمع بذلك أهل السماوات ، صعقوا وخرّوا لله سجداً ، فيكون أول من يرفع رأسه جبرائيل ، فيكلمه الله من وحيه بما أراده ، ثم يمر جبرائيل على الملائكة ، كلما مرّ بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبرائيل ؟ فيقول جبرائيل : قال الحق وهو العلي الكبير . قال : فيقولون كلهم مثلما ما قال جبرائيل ، فينتهي جبرائيل بالوحي حيث أمر الله " .
وبه عن ابن جرير عن يعقوب عن ابن علية عن أيوب عن هشام عن عروة قال : قال الحرث ابن هشام لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي ؟ قال : " يأتيني في صلصلة كصلصلة الجرس فيفصم عني حين يفصم وقد وعيته ، ويأتيني أحياناً في مثل صورة الرجل فيكلمني به كلاماً وهو أهون عليّ " .
وقال بعضهم : إنما يفزعون حذراً من قيام الساعة .
وقال الكلبي : كان بين عيسى ومحمد( عليهما السلام ) فترة زمان طويلة لا يجري فيها الرسل خمسمائة وخمسين عاماً ، فلما بعث الله محمداً ( عليه السلام ) كلّم الله جبرائيل بالرسالة إلى محمد ، فلما سمعت الملائكة الصوت ظنوا أنها الساعة قد قامت فصعقوا مما سمعوا .
فلما انحدر جبرائيل جعل يمر بأهل كلّ سماء فيكشط عنهم فيرفعون رؤوسهم ، فيقول بعضهم لبعض : ماذا قال ربكم ؟ فلم يدروا ما كان ولكنهم قالوا : قال الحق وهو العلي الكبير ؛ وذلك أنّ محمداً عند أهل السماوات من أشراط الساعة ، فلما بعثه الله تعالى فزع أهل السماوات لا يشكون إلاّ أنها الساعة .
وقال الضحاك : إنّ الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض يكتبون أعمالهم ، إذا أرسلهم الرب فانحدروا سمع لهم صوت شديد ، فيحسب الذين هم أسفل من الملائكة أنه من أمر الساعة فيخرون سجداً ويصعقون ، حتى يعلموا أنه ليس من أمر الساعة ، وهذا تنبيه من الله سبحانه وإخبار أنّ الملائكة مع هذه الصفة لا يمكنهم أنْ يشفعوا لأحد إلاّ أنْ يؤذن لهم ، فإذا أذن الله لهم وسمعوا وحيه كان هذا حالهم . فكيف تشفع الأصنام ؟
وقال آخرون : بل الموصوفون بذلك المشركون .
قال الحسن وابن زيد يعني : حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند نزول الموت بهم إقامة للحجة عليهم ، قالت لهم الملائكة : ماذا قال ربكم في الدنيا ؟ قالوا : الحق ، فأقرّوا به حين لم ينفعهم الإقرار ، ودليل هذا التأويل قوله تعالى في آخر السورة :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.