الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ} (68)

{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ } .

أخبرنا أبو محمّد الحسين بن أحمد المخلدي إملاء وقراءة أخبرنا عبد الله بن محمّد بن مسلم حدثنا أحمد بن محمّد بن أبي رجاء المصيصي حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن سليمان التيمي عن أسلم العجلي عن بشر بن شغاف عن عبد الله بن عمرو قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور .

فقال :

" قرن ينفخ فيه " .

{ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ } أيّ ماتوا وهي النفخة الثانية { إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ } اختلفوا في الذين استثناهم الله تعالى .

أخبرنا أبو علي الحسين بن محمّد بن محمّد الروذبادي حدثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمّد ابن عبد الرحيم الشروطي حدثنا عبدان بن عبد الله بن أحمد حدثنا محمّد بن مصفي حدثنا بقية عن محمّد عن عمرو بن محمّد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل جبرئيل عن هذه الآية { فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ } : " من أُولئك الذين لم يشاء الله أن يصعقهم ؟ » .

فقال : هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش " .

أخبرنا الحسين بن فنجويه بقرائتي عليه حدثنا أبو علي بن حبش المقريء قال : قرأ عليّ أبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي وأنا أسمع حدثنا يحيى بن معين حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمر بن محمّد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبرئيل ( عليهما السلام ) عن هذه الآية { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ } : " من الذين لم يشاء الله تعالى أن يصعقهم ؟ .

قال : هم الشهداء متقلدون حول عرشه تتلقاهم الملائكة يوم القيامة إلى المحشر بنجائب من ياقوت أزمتها الدرّ برحائل السندس والإستبرق نمارها ألين من الحرير ، مدَّ خطاها مدَّ أبصار الرجال يسيرون في الجنّة يقولون عند طول البرهة : انطلقوا إلى ربنا لننظر كيف يقضي بين خلقه ، فيضحك إليهم إلهي عزّ وجلّ ، فإذا ضحك إلى عبد في موطن فلا حساب عليه " .

أخبرنا ابن فنجويه حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الحسن بن يحيويه حدثنا عمرو بن ثور وإبراهيم بن أبي سفيان قالاً :

حدثنا محمّد بن يوسف الفربابي حدثنا سليمان بن حيان عن محمّد بن إسحاق عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال : تلا رسول الله ( عليه السلام ) { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ } قالوا : يارسول الله من هؤلاء الذين استثنى الله تعالى ؟

قال : " هو جبرئيل وميكائيل واسرافيل وملك الموت قال : فيقول ياملك الموت خذ نفس اسرافيل . فيقول : يا ملك الموت من بقي ؟ فيقول : سبحانك ربّي وتعاليت ذا الجلال والإكرام بقي جبرئيل وميكائيل وملك الموت . فيقول : ياملك الموت خذ نفس ميكائيل . فياخذ نفس ميكائيل فيقع كالطود العظيم . فيقول : يا ملك الموت من بقي ؟ فيقول : سبحانك ربّي تباركت وتعاليت ذا الجلال والإكرام بقي جبرئيل وملك الموت .

فيقول : مُت ياملك الموت فيموت . فيقول : ياجبرئيل من بقي ؟ فيقول : تباركت وتعاليت ذا الجلال والإكرام وجهك الباقي الدائم وجبرئيل الميت الفاني قال : فيقول : يا جبرئيل لابدّ من موتك ، فيقع ساجداً يخفق بجناحيه فيقول : سبحانك ربّي تباركت وتعاليت ذا الجلال والإكرام " .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن فضل خلقه على خلق ميكائيل كالطود العظيم على الضرب من الضراب " .

أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد بن جعفر حدثنا حاجب بن أحمد بن يرحم حدثنا محمّد بن حماد حدثنا محمّد بن الفضيل عن سليمان التيمي عن أبي نصرة عن جابر في قوله تعالى : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ } قال : موسى ممّن استثنى الله تعالى ، وذلك بأنه قد صعق مرة .

يدل عليه ما أخبرنا عقيل بن أحمد : أن أبا الفرج البغدادي القاضي أخبرهم عن محمّد بن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا محمّد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال : قال يهودي بسوق المدينة : والذي اصطفى موسى على البشر ، قال : فرفع رجل من الأنصار يده فصك بها وجهه فقال : تقول هذا وفينا رسول الله .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ } فاكون أنا أول من يرفع رأسه ، فإذا موسى أخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع رأسه قبلي أو كان ممّن استثنى الله تعالى " .

وقال كعب الأحبار : هم إثنا عشر ، حملت العرش وجبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت .

الضحاك : هم رضوان والحور ومالك والزبانية .

قتادة : الله أعلم بثنياه .

الحسن : ( إلاّ من شاء الله ) يعني الله وحده . وقيل : عقارب النار وحياتها ، { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ } أي في الصور { أُخْرَى } مرة أُخرى { فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ } من قبورهم { يَنظُرُونَ } يعني ينظرون إلى البعث .

وقيل : ينتظرون أمر الله تعالى فيهم .

قالت العلماء : ووجه النفخ في الصور أنه علامة جعلها الله تعالى ليتصوّر بها العاقل وأخذ الأمر ، ثم تجديد الخلق .