الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمَن يُوَلِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ إِلَّا مُتَحَرِّفٗا لِّقِتَالٍ أَوۡ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٖ فَقَدۡ بَآءَ بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (16)

{ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } ظهره وقرأ الحسن ساكنة { إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ } أي متعطّفاً مستطرداً لقتال عدوّه بطلب عورة له تمكنه إصابتها فيكرّ عليه .

{ أَوْ مُتَحَيِّزاً } منضمّاً صابراً { إِلَى فِئَةٍ } جماعة من المؤمنين يفيئون به بسهم الى القتال { فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } واختلف العلماء في حكم قوله { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } الآية هل هو خاص في أهل بدر أم هو في المؤمنين جميعاً .

فقال أبو سعيد الخدري : إنّما كان ذلك يوم بدر خاصة لم يكن لهم أن ينحازوا ولو انحازوا إلى المشركين ، ولم يكن يومئذ في الأرض مسلم غيرهم ولا للمسلمين فيه غير النبيّ صلى الله عليه وسلم فأمّا بعد ذلك فإنّ المسلمين بعضهم فئة لبعض ممثّلة ، قاله الحسن والضحاك وقتادة .

قال يزيد ابن أبي حبيب : أوجب الله لمن فرّ يوم بدر النار .

فقال { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } الآية . فلمّا كان يوم أُحد بعد ذلك قال :

{ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ } [ آل عمران : 155 ] ثمّ كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين . فقال :

{ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } [ التوبة : 25 ]

{ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذلِكَ عَلَى مَن يَشَآءُ } [ التوبة : 27 ] . وقال عطاء بن أبي رباح : هذه الآية منسوخة بقوله { الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ } [ الأنفال : 66 ] الآية فليس لقوم أن يفروا من مثليهم فنسخت تلك الآية إلاّ هذه العدّة .

وقال الكلبي : من قبل اليوم مقبلاً أو مدبراً فهو شهيد ولكن سبق المقبل المدبر الى الجنة .

وروي جرير عن منصور عن إبراهيم قال : انهزم رجل من القادسية فأتى المدينة الى عمر . فقال : يا أمير المؤمنين هلكت فررت من الزحف ، فقال عمر رضي الله عنه أنا فئتك .

وقال محمد بن سيرين : لمّا قُتل أبو عبيد جاء الخبر إلى عمر رضي الله عنه فقال لو أنحاز إليَّ فكنت له فئة [ فأنا فئة ] كل مسلم .

عبد الرحمن بن أبي ليلى " عن عبد الله بن عمر قال : كنّا في مُصيل بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخاض الناس خيضة فانهزمنا وكنّا نفر ، قلنا نهرب في الأرض حياءً ممّا صنعنا فدخلنا البيوت . ثمّ قلنا : يا رسول الله نحن الفارون . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل أنتم الكرارون وإنّا فئة المسلمين " .

وقال بعضهم : بل حكمنا عام في كل من ولى عن العدو وفيهم مَنْ روى ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض أهله :

" [ إياك والفرار ] من الزحف فإن هلكوا فاثبتوا فما [ . . . . ] إلاّ على إرتكاب الكبائر وإلاّ الشرك بالله والفرار من الزحف لأن الله تعالى يقول { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } " الآية .