وقوله تعالى : ( فلا تولوهم الأدبار ) ( ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ) والمتحرف للقتال هو المنتقل من مكان إلى مكان للحرب ، والمتحيز إلى فئة هو الملتجئ إلى فئة على جهة العود إليهم والحرب ؛ يقال : تحوَّزْتُ ، وتَحَيَّزْتُ بالواو والياء جميعا ، وهو نحو الحرب . وفي النهي عن الانهزام والتولي عن العدو إلا ما ذكر من التحرف للقتالن والتحيز إلى الفتنة ، على جهة العود إليهم .
ثم أخبر أن من ولى دبره بسوى ما ذكى ( فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ) قالت المعتزلة : دل ما أوعد المتحرف بغير قتال والمتحيز إلى غير الفئة بقوله : ( فقد باء بغضب من الله ) أن من ارتكب الكبيرة يخلد في النار لأنه ذكر في أول الآية المؤمنين ، /197-أ / ولهم خرج الخطاب بقوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا وحفا ) ثم أوعد لهم الوعيد الشديد ما يوعد أهل النار غير أهل الإيمان بارتكاب الكبيرة ، ويخلد في النار . وقالوا : لا يجوز صرف الآية إلى أهل النفاق لما ذكر في القصة أنه لم يكن يوم بدر منافق .
لكن هذا غلط . قال الله تعالى : ( إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم )[ الأنفال49 ] وإنما قالوا ذلك يوم بدر كذلك ذكر ، والله أعلم .
وقوله تعالى : ( إلا متحرفا لقتال أم متحيزا إلى فئة ) فإن كان المستثنى من قوله ( فقد باء بغضب من الله ) لم يكن فيه رخصة التولي ، ولكن فيه دفع الوعيد الذي ذكر ، وإن كان المستثنى من قوله ( ومن يولهم يومئذ دبره ) ففيه رخصة التولي إلى ما ذكر .
ثم الدلالة على أنه مستثنى من هذا دون الأول ما جاء من غير واحد من الصحابة تولية الدبر إلى ما ذكر . وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أنا فئة لكل مسلم »[ أحمد2 : 99 ] .
وبعد فإنه لم يكن لأهل الإسلام فئة يوم بدر ، يتحيزون إليها ، فدل أنها في المنافقين وأهل الكفر ، والله أعلم .
ثم يقال : يجوز أن يكون ما ذكر من الوعيد لمعنى في التولية عن الدين والإعراض لا لنفس التولية عن الدين ؛ إذ قد ذكر التولية عن الدين في آية أخرى والعفو عن ذلك ، وهو وقوله تعالى : ( إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ) الآية[ آل عمران : 155 ] .
فإن قيل : لعل التوبة مضمرة فيه ، فعفا عنهم ، قيل : إن جاز أن يجعل التوبة مضمرة فيها جاز أن يضمر فيه التولية عن الدين الردة . فليست أولى بإضمار التوبة من هذه بإضمار الردة .
وفي الآية معان ، تدل على الإضمار إضمار ما يوجب الوعيد الذي ذكره ، والله أعلم .
أحدها : ذكر التحيز إلى الفئة ، وإن لم يكن للمسلم فئة يتحيز إليها . فإذا تحيز إنما يتحيز ليصير إلى العدو ، فهو الردة التي ذكرنا .
الثاني : ما ذكر في بعض القصة أنه لما اصطف القوم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ، فقال : «يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا »[ مسلم1763 ] ومن هرب أو ولى الدبر عن مثل تلك الحال لم يول إلا لقصد ألا يعبد الله فقد كفر .
و الثالث : قد وعد لهم النصر والظفر على العدو ، فمن ولى الدبر[ في الأصل وم : عن الدبر ] لم يول إلا لتكذيب بالوعد الذي وعد لهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.