{ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ } الآية فقال أهل التفسير والمغازي " لمّا ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً قال : هذه مصارع القوم إن شاء الله " ، فلمّا طلعوا عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك ، اللّهمّ إنّي أسألك ما وعدتّني فأتاه جبرئيل وقال : خذ حفنة من تراب فارمهم بها " .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا التقى الجمعان لعلّي رضي الله عنه : " أعطني قبضة من حصا الوادي " فناوله من حصى عليه تراب فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم به في وجوه القوم وقال : " شاهت الوجوه " .
فلم يبق مشرك إلاّ دخل في عينه وفمه ومنخريه منها شيء ثمّ ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم وكانت تلك الرمية سبب الهزيمة " .
وقال حكيم بن حزام : " لمّا كان يوم بدر سمعنا صوتاً وقع من السماء كأنّه صوت حصاة وقعت في طست ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الرمية فانهزمنا " .
وقال قتادة وابن زيد : " ذكر له أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى حصاة في ميمنة القوم وحصاة في ميسرة القوم وحصاة بين أظهرهم .
وقال : " شاهت الوجوه " فانهزموا " .
الزهري عن سعيد بن المسيب قال : نزلت هذه الآية في قتل أُبي بن كعب الجمحي . وذلك " أنّه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل وهو يفتّه فقال : يا محمد الله يُحيي هذا وهو رميم ؟
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم يحيه الله ثمّ يميتك ثمّ يدخلك النار فلمّا كان يوم بدر أسره ثمّ فدي ، فلمّا افتدي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي فرساً أعلفها كل يوم [ فرق ] ذرة لكي أقتلك عليها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنا أقتلك إن شاء الله ، فلمّا كان يوم أُحُد أقبل أُبيّ بن خلف يركض بفرسه ذلك حتّى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترض له رجال من المسلمين ليقتلوه ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " استاخروا " ، فاستأخروا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بحربة في يده فرمى بها أُبي بن خلف فكسرت الحربة ضلعاً من أضلاعه فرجع أبي إلى أصحابه ثقيلا فاحتملوه وطفقوا يقولون : لا بأس ، فقال أُبي : والله لو كانت الناس لقتلهم ، ألم يقل إني أقتلك إن شاء الله ، فانطلق به أصحابه ينعونه حتّى مات ببعض الطريق فدفنوه "
ففي ذلك أنزل الله هذه الآية { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } الآية .
وروى صفوان بن عمرو عن عبد العزيز بن [ جبير ] " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر دعا بقوس فأُتي بقوس طويلة فقال : جيئوني بغيرها ، فجاءوا بقوس كبداء فرمى النبيّ صلى الله عليه وسلم الحصن فأقبل السهم يهوي حتّى قتل كنانة بن أبي الحقيق وهو على فراشه فأنزل الله تعالى : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ } " فهذا سبب نزول الآية .
فأمّا معناها فإن الله تعالى أضاف القتل والرمي إلى نفسه لأنّه كان منه تعالى التسبيب والتسديد ومن رسوله والمؤمنين الضرب والحذف . وكذلك سائر أفعال الخلق المكتسبة من الله تعالى الإنشاء والايجاد بالقدرة القديمة التامّة ومن الخلق الاكتساب بالقوى المحدثة ، وفي هذا القول دليل على ثبوت مذهب أهل الحق وبطلان قول القدريّة .
وقيل : إنّما أضافها إلى نفسه لئلاّ يعجب القوم .
قال مجاهد : قال هذا : قتلت ، وقال هذا : قتلت ، فأنزل الله هذه الآية .
وقال الحسن : أراد فلم تُميتموهم ولكن الله أماتهم وأنتم جرحتموهم لأن إخراج الروح إليه لا إلى غيره .
قال { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } أي [ قتل ] يبلغ إلى المشركين بها وملأ عيونهم منها .
وقال ابن إسحاق : ولكن الله رمى أي لم يكن ذلك رميتك لولا الذي جعل الله فيها من نصرك وما ألقى في صدور عدوك منها حتّى هزمهم .
وقال أبو عبيده : تقول العرب : رمى الله لك ، أي نصرك . قال الأعمش : { وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } أي وفّقك وسدّد رميتك .
{ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً } أي ولينعم على المؤمنين نعمه عظيمة بالنصر والغنيمة والأجر والثواب .
وقال ابن إسحاق : ليعرف المؤمنين نعمة نصرهم وإظهارهم على عدوهم مع قلّة عددهم وكثرة عدوّهم ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا نعمه { إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ } لإقوالهم { عَلِيمٌ } بأفعالهم سميع بأسرارهم عليم بإضمارهم
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.