الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِذۡ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةٗ مِّنۡهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ ٱلشَّيۡطَٰنِ وَلِيَرۡبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمۡ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلۡأَقۡدَامَ} (11)

{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ } قرأ مجاهد وابن كثير وأبو عمرو : يغشيكم بفتح الياء النعاس رفع على أن الفعل له واحتجّوا بقوله في سورة آل عمران

{ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } [ آل عمران : 154 ] فجعل الفعل له .

وقرأ أهل المدينة يغشيكم بضم الياء مخففة على أن الفعل لله عزّ وجلّ ليكون موافقاً لقوله ( وينزل وليطهركم ) واحتجّوا بقوله تعالى

{ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ } [ يونس : 27 ] .

وقرأ عروة بن الزبير والحسن وأبو رجاء وعكرمة والجحدري وعيسى وأهل الكوفة : يُغشّيكم بضمّ الياء مشدّداً .

فاختاره أبو عبيد وأبو حاتم : لقوله

{ فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى } [ النجم : 54 ] والنعاس النوم تخفيف . وقال أبو عبيدة : هو ابتداء القوم : أمنة بفتح الميم قراءة العامّة ، وقرأ أبو حياة وابن محيصن : أمنة بسكون الميم وهو مصدر قولك : أمنت من كذا أمناً وأمنة وأمانة وكلّها بمعنى واحد فلذلك نصب .

قال عبد الله بن مسعود : النعاس في القتال أمنة من الله عزّ وجلّ وفي الصلاة من الشيطان { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَآءِ مَآءً } وذلك أن المسلمين نزلوا كثيباً أخضر ببدر يسوخ فيه الأقدم وحوافر الدواب وسبقهم المشركون إلى ماء بدر العظمى وغلبوهم عليه وأصبح المسلمون بعضهم محدثين وبعضهم مجنبين وأصابهم الظمأ ووسوس لهم الشيطان فقال تزعمون أن فيكم نبي الله وأنّكم أولياء الله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تُصلّون مجنبين ومحدثين فكيف ترجون أن يظفركم عليهم .

قال : فأرسل الله عزّ وجلّ مطراً سال منه الوادي فشرب منه المؤمنون واغتسلوا وتوضّأوا وسقوا الركاب وملؤوا الأسقية وأطفى الغبار ولبّد الأرض حتّى ثبّت عليه الأقدام وزالت وسوسة الشيطان وطابت أنفسهم فذلك قوله { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } من الأحداث والجنابة .

وقرأ سعيد بن المسيب : ليُطهركم بطاء ساكنة من أطهره الله { وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ } أي وسوسة الشيطان .

وقرأ ابن محيصن : رجز بضم الراء . وقرأ أبو العالية : رجس بالسين والعرب تعاقب بين السين والزاء فيقول بزق وبسق .

والسراط والزراط والأسد والأزد { وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ } اليقين والصبر { وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ } حتّى لا يسرح في الرمل بتلبيد الأرض .

وقيل : بالصبر وقوّة القلب