بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَن يُوَلِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ إِلَّا مُتَحَرِّفٗا لِّقِتَالٍ أَوۡ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٖ فَقَدۡ بَآءَ بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ} (16)

{ وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } ، يعني ظهره منهزماً يومئذ ، يعني يوم حربهم . وقال الكلبي : يعني يوم بدر خاصة ؛ { إِلاَّ مُتَحَرّفاً لّقِتَالٍ } ، يعني مستطرداً للكرة يريد الكرة للقتال ؛ { أَوْ مُتَحَيّزاً إلى فِئَةٍ } ، يعني ينحاز من فئة إلى فئة من أصحابه يمنعونه عن العدو . قال أهل اللغة تحوَّزت وتحيَّزت أي انضممت إليه ، ومعناه إذا كان منفرداً فينحاز ليكون مع المقاتلة ، { فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مّنَ الله } وفي الآية تقديم ، يعني { ومن يولهم يومئذ دبره } ، { فقد باء بغضب من الله } ، أي استوجب الغضب من الله . { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير } إلا منحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة .

وروي عن الحسن أنه قال : كان هذا يوم بدر وغيره . وعن الضحاك قال : هذا يوم بدر خاصة ، لأنه لم يكن لهم فئة ينحازون إليها . وعن داود بن أبي هند ، عن أبي نضرة قال : نزلت يوم بدر ، لأنهم لم ينحازوا إلا إلى المشركين ، لم يكن في الأرض مسلمون غيرهم . وقد قال بعضهم بأن الآية غير منسوخة ، لأنه لا يجوز للواحد أن يهرب من الاثنين وأن يهرب من الجماعة ؛ وإذا لم يكن معه سلاح جاز له أن يهرب ممن معه سلاح ، وإذا لم يكن رامياً جاز له أن يهرب من الرامي .

فإذا كان عدد المسلمين نصف عدد الكفار ومعهم سلاح ، لا يجوز لهم أن يهربوا منهم ؛ وإذا كان المسلمون اثني عشر ألفاً ومعهم سلاح ، لا يجوز أن يهربوا من الكفار وإن كانوا مائة ألف ، لأنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أرْبَعُمِائِةٍ ، وَخَيْرُ الجُيُوشِ أرْبَعَةُ آلافٍ ؛ وَلَنْ يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفاً مِنْ قِلَّةٍ إذَا كَانَتْ كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةً ، فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا كَلِمَتَهُمْ وَاحِدَةً وَيُقَاتِلُوهُمْ ، حَتَّى يَنْصُرَهُمُ الله تَعَالَى » . والآية نزلت في الذي لا يجوز له الهرب . وروى سليمان بن بلال ، عن ثور بن زيد ، عن أبي المغيث ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « اجْتَنِبُوا المُوبِقَاتِ » . قالوا : وما هي يا رسول الله ؟ قال : « الشِّركُ بِالله ، وَأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ المُحَصَنَاتِ » .