{ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيّتَ طَآئِفَةٌ مّنْهُمْ غَيْرَ الّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِيلاً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه بقوله : { وَيَقُولُونَ طاعَةٌ } يعني : الفريق الذي أخبر الله عنهم أنهم لما كتب عليهم القتال ، خشوا الناس كخشية الله وأشدّ خشية ، يقولون لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم بأمر : أمرك طاعة ، ولك منا طاعة فيما تأمرنا به وتنهانا عنه ! { فَإذَا بَرزُوا مِنْ عِنْدِكَ } يقول : فإذا خرجوا من عندك يا محمد { بيّتَ طائفةٌ منهمْ غيرَ الذِي تقولُ } يعني بذلك جلّ ثناؤه : غيّر جماعة منهم ليلاً الذي تقول لهم . وكلّ عَمل عُمل ليلاً فقد بُيّت ، ومن ذلك بَيّتَ العدوّ وهو الوقوع بهم ليلاً ، ومنه قول عبيدة ابن همام :
أتَوْنِي فَلَمْ أرْضَ ما بَيّتُوا ***وكانُوا أتَوْنِي بِشَيْءٍ نُكُرْ
لاِنْكِحَ أيّمَهُمْ مُنْذِرا ***وَهلْ يُنْكِحُ العَبْدَ حُرّ لِحُرّ
يعني بقوله : «فلم أرض ما بيتوا ليلاً » : أي ما أبرموه ليلاً وعزموا عليه . ومنه قول النمر بن تولب العكليّ :
هَبّتْ لِتَعْذُلَنِي بلَيْلٍ اسْمَعِ ! ***سَفَها تُبَيّتُكِ المَلامةُ فاهْجَعي !
يقول الله جلّ ثناؤه : { وَاللّه يَكْتُبُ ما يُبَيّتُونَ } يعني بذلك جلّ ثناؤه : والله يكتب ما يغيرون من قولك ليلاً في كتب أعمالهم التي تكتبها حفظته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فإذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ } قال : يغيرون ما عهد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم .
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا يوسف بن خالد ، قال : حدثنا نافع بن مالك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : { بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ } قال : غيّر أولئك ما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : ثني أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فإذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ } قال : غيّر أولئك ما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فإذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيّتُونَ } قال : هؤلاء المنافقون الذين يقولون إذا حضروا النبيّ صلى الله عليه وسلم فأمرهم بأمر قالوا : طاعة ، فإذا خرجوا من عنده غيّرت طائفة منهم ما يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم . { وَاللّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيّتُونَ } يقول : ما يقولون .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : قوله : { وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فإذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ } قال : يغيّرون ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فإذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ } وهم ناس كانوا يقولون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنا بالله ورسوله ليأمنوا على دمائهم وأموالهم ، فإذا برزوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفوا إلى غير ما قالوا عنده¹ فعابهم الله ، فقال : { بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ } يقول : يغيّرون ما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { بَيّتَ طائِفَةٌ مِنْهُم غيرَ الّذِي تَقُولُ } : هم أهل النفاق .
وأما رفع «طاعة » فإنه بالمتروك الذي دلّ عليه الظاهر من القول ، وهو : أمرك طاعة ، أو منا طاعة . وأما قوله : { بَيّتَ طائِفَةٌ } فإن التاء من بيّت تحركها بالفتح عامة قراء المدينة والعراق وسائر القراء ، لأنها لام فعل . وكان بعض قراء العراق يسكنها ثم يدغمها في الطاء لمقاربتها في المخرج .
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك ، ترك الإدغام ، لأنها أعني التاء والطاء من حرفين مختلفين¹ وإذا كان كذلك كان ترك الإدغام أفصح اللغتين عند العرب ، واللغة الأخرى جائزة أعني الإدغام في ذلك محكية .
القول في تأويل قوله تعالى : { فأعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكّلْ على اللّهِ وكَفَى باللّهِ وَكِيلاً } .
يقول جلّ ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم : فأعرض يا محمد عن هؤلاء المنافقين الذين يقولون لك فيما تأمرهم : أمرك طاعة ، فإذا برزوا من عندك خالفوا ما أمرتهم به وغيّروه إلى ما نهيتهم عنه ، وخلّهم وما هم عليه من الضلالة ، وارض لهم بي منتقما منهم ، وتوكل أنت يا محمد على الله . يقول : أي وحسبك بالله وكيلاً : أي فيما يأمرك ، ووليّا لها ، ودافعا عنك وناصرا .
وقوله تعالى : { ويقولون طاعة } الآية نزلت في المنافقين باتفاق من المفسرين ، المعنى يقولون لك يا محمد : أمرنا طاعة ، فإذا خرجوا من عندك اجتمعوا ليلاً وقالوا غير ما أظهروا لك . و { بيَّت } معناه فعل ليلاً ، فإما أخذ من بات ، وإما من البيت لأنه ملتزم بالليل وفي الأسرار التي يخاف شياعها ، ومن ذلك قول الشاعر [ الأسود بن يعفر ] : [ المتقارب ]
أتوني فَلَمْ أَرْضَ مَا بَيَّتُوا . . . وَكَانُوا أَتوني بِأَمْرٍ نكرْ{[4162]}
هبَّتْ لتعذلني بليل اسمعي *** سفهاً تبيتك للملامةِ فاهجعي{[4163]}
المعنى وتقول لي : اسمع ، وزيدت الياء إشباعاً لتصريع القافية واتباعاً للياء ، كقول امرىء القيس :
ألا أيُّها الليلُ الطويلُ أَلاَ انْجَلي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[4164]}
وقوله بأمثل ، وقرأ جمهور القراء { بيت } بتحريك التاء ، وقرأ أبو عمرو وحمزة بإدغامها في الطاء ، وقرأ ابن مسعود «بيت مبيت منهم يا محمد » وقوله : { تقول } يحتمل أن يكون معناه تقول أنت يا محمد ، ويحتمل ، تقول هي لك ، و { يكتب } معناه على وجهين ، إما يكتبه عنده حسب كتب الحفظة حتى يقع الجزاء ، وإما يكتبه في كتابه إليك ، أي ينزله في القرآن ويعلم بها ، قال هذا القول الزجّاج ، والأمر بالإعراض إنما هو عن معاقبتهم ومجازاتهم ، وأما استمرار دعوتهم وعظتهم فلازم ، قال الضحاك : معنى { أعرض عنهم } لا تخبر بأسمائهم ، وهذا أيضاً قبل نزول القتال على ما تقدم . ثم أمر الله تعالى بالتوكل عليه والتمسك بعروته الوثقى ثقة بإنجاز وعده في النصر ، و «الوكيل » القائم بالأمور المصلح لما يخاف من فسادها ، وليس ما غلب الاستعمال في الوكيل في عصرنا بأصل في كلام العرب ، وهي لفظة رفيعة وضعها الاستعمال العامي ، كالعريف والنقيب وغيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.