جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (3)

3-4

القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ الأوّلُ وَالاَخِرُ وَالظّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * هُوَ الّذِي خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَىَ عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .

يقول تعالى ذكره : هو الأوّل قبل كل شيء بغير حدّ والاَخر يقول : والاَخر بعد كل شيء بغير نهاية . وإنما قيل ذلك كذلك ، لأنه كان ولا شيء موجود سواه ، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها ، كما قال جلّ ثناؤه : كُلّ شَيْءٍ هالكٌ إلاّ وَجْهَهُ . وقوله : والظّاهِرُ يقول : وهو الظاهر عل كل شيء دونه ، وهو العالي فوق كل شيء ، فلا شيء أعلى منه والباطِنُ يقول : وهو الباطن جميع الأشياء ، فلا شيء أقرب إلى شيء منه ، كما قال : وَنَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْل الوَرِيدِ . وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال به أهل التأويل . ذكر من قال ذلك ، والخبر الذي روي فيه :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : هُوَ الأوّلُ والاَخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في أصحابه ، إذ ثار عليهم سحاب ، فقال : «هَلْ تَدْرُونَ ما هَذَا ؟ » قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : «فإنّها الرّقِيعَ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ ، وَسَقْفٌ مَحْفُوظٌ ، » قال : «فَهَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَها » ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ؟ قال : «مَسِيرَةُ خَمْسٍ مِئَةِ سَنَةٍ » ، قال : «فَهَلْ تَدْرُونَ ما فَوْقَ ذلكَ ؟ » فقالوا مثل ذلك ، قال : «فَوْقَها سَماءٌ أُخْرَى وَبَيْنَهُما مَسِيرِةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ » ، قال : «هَلْ تَدْرُونَ ما فَوْقَ ذلك ؟ » فقالوا مثل قولهم الأوّل ، قال : «فإنّ فَوْقَ ذلكَ العَرْشَ ، وَبَيْنَهُ وَبَينَ السّماءِ السّابِعَةِ مِثْلُ ما بَينَ السّماءَيْن » ، قال : هَلْ «تَدْرُونَ ما الّتِي تَحْتَكُمْ ؟ » قالوا : الله ورسوله أعلم قال : «فإنّها الأرْضُ » ، قال : «فَهَلْ تَدْرُونَ ما تَحْتَها ؟ » قالوا له مثل قولهم الأوّل ، قال : «فإنّ تَحْتَها أرْضا أُخْرَى ، وَبَيْنَهُما مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ » ، حتى عدّ سبع أرضين ، بين كلّ أرضيْن مسيرة خمس مئة سنة ، ثم قال : «وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ ، لَوْ دُلّيَ أحَدكُمْ بِحَبْل إلى الأرْضِ الأُخْرى لَهَبَطَ على اللّهِ » ، ثُمّ قرأ هُوَ الأوّلُ والاَخَرُ والظّاهِرُ والباطِنُ وَهُوْ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .

وقوله : وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يقول تعالى ذكره : وهو بكلّ شيء ذو علم ، لا يخفى عليه شيء ، فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، إلا في كتاب مبين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (3)

{ هو الأول } الذي ليس لوجوده بداية مفتتحة . { والآخر } الدائم الذي ليس له نهاية منقضية . قال أبو بكر الوراق { هو الأول } بالأزلية ، { والآخر } بالأبدية ، و { هو الأول } بالوجود ، إذ كل موجود فبعده وبه . { والآخر } إذا ترقى العقل في الموجودات حتى يكون إليه منتهاها ، قال عز وجل : { وأن إلى ربك المنتهى }{[10950]} [ النجم : 42 ] . { والظاهر } معناه بالأدلة ونظر العقول في صنعته . { والباطن } بلطفه وغوامض حكمته وباهر صفاته التي لا يصل إلى معرفتها على ما هي عليه الأوهام .

ويحتمل أن يريد بقوله : { الظاهر والباطن } أي الذي بهر وملك فيما ظهر للعقول وفيما خفي عنها فليس في الظاهر غيره حسب قيام الأدلة ، وليس في باطن الأمر وفيما خفي عن النظرة مما عسى أن يتوهم غيره .

وقوله تعالى : { وهو بكل شيء عليم } عام في الأشياء عموماً تاماً .


[10950]:الآية (42) من سورة (النجم).