جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (200)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتّقُواْ اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : اصبروا على دينكم ، وصابروا الكفار ورابطوهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن المبارك بن فضالة ، عن الحسن أنه سمعه يقول في قول الله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } قال : أمرهم أن يصبروا على دينهم ، ولا يدعوه لشدّة ولا رخاء ، ولا سرّاء ولا ضرّاء ، وأمرهم أن يصابروا الكفار ، وأن يرابطوا المشركين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } : أي اصبروا على طاعة الله ، وصابروا أهل الضلالة ، ورابطوا في سبيل الله ، { وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكمْ تُفْلِحُونَ } .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } يقول : صابروا المشركين ، ورابطوا في سبيل الله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج : { اصْبِرُوا } على الطاعة ، { وَصَابِرُوا } أعداء الله ، { وَرَابِطُوا } في سبيل الله .

حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } قال : اصبروا على ما أمرتم به ، وصابروا العدوّ ورابطوهم .

وقال آخرون : معنى ذلك : اصبروا على دينكم ، وصابروا وعدي إياكم على طاعتكم لي ، ورابطوا أعداءكم . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن محمد بن كعب القرظي ، أنه كان يقول في هذه الاَية : { اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } يقول : اصبروا على دينكم ، وصابروا الوعد الذي وعدتكم ، ورابطوا عدوّي وعدوّكم ، حتى يترك دينه لدينكم .

وقال آخرون : معنى ذلك : اصبروا على الجهاد ، وصابروا عدوّكم ورابطوهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا جعفر بن عون ، قال : أخبرنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم في قوله : { اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } قال : اصبروا على الجهاد ، وصابروا عدوّكم ، ورابطوا على عدوّكم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا مطرف بن عبد الله المرّي ، قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، قال : كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب ، فذكر له جموعا من الروم وما يتخوّف منهم ، فكتب إليه عمر : أما بعد ، فإنه مهما نزل بعبد مؤمن منزلة شدة يجعل الله بعدها فرجا ، وإنه لن يغلب عسر يسرين ، وإن الله يقول في كتابه : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } .

وقال آخرون : معنى : { وَرَابِطُوا } : أي رابطوا على الصلوات : أي انتظروها واحدة بعد واحدة . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ، قال : ثني داود بن صالح ، قال : قال لي أبو سلمة بن عبد الرحمن : يا ابن أخي هل تدري في أيّ شيء نزلت هذه الاَية { اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } ؟ قال : قلت لا . قال : إنه يا ابن أخي لم يكن في زمان النبيّ صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ، ولكنه انتظار الصلاة خلف الصلاة .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن عبد الله بن سعيد المقبري ، عن جدّه ، عن شرحبيل عن عليّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا أدُلّكُمْ على ما يُكَفّرُ اللّهُ بِهِ الذّنُوبَ والخَطايا ؟ إسْباغُ الوُضُوءِ على المَكارِهِ ، وانْتِظارُ الصّلاةِ بَعْدَ الصّلاةِ ، فَذَلِكَ الرّباطُ » .

حدثنا موسى بن سهل الرملي ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا محمد بن مهاجر ، قال : ثني يحيى بن زيد ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن شرحبيل ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا أدُلكُمْ على ما يَمْحُو اللّهَ بِهِ الخطايا ويُكَفّرُ بِهِ الذّنُوبَ ؟ » قال : قلنا بلى يا رسول الله ! قال : «إسْباغُ الوضُوءِ فِي أماكِنِها ، وكَثْرَةُ الخَطا إلى المَساجِدِ ، وَانْتِظارُ الصّلاةِ بَعْدَ الصّلاةِ ، فَذَلِكُمُ الرّباطُ » .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا خالد بن مخلد ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا أدُلّكُمْ على ما يَحُطّ اللّهُ بِهِ الخَطايا وَيَرْفَعُ بِهِ الدّرَجاتِ ؟ » قالوا : بلى يا رسول الله . قال : «إسْباغُ الُوضُوءِ عِنْدَ المَكارِهِ ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ ، وَانْتِظارُ الصّلاةِ بَعْدَ الصّلاةِ ، فَذَلِكُمُ الرّباطُ فَذَلِكُمُ الرّباطُ » .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .

وأولى التأويلات بتأويل الاَية ، قول من قال في ذلك : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا } : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ، اصبروا على دينكم ، وطاعة ربكم ، وذلك أن الله لم يخصص من معاني الصبر على الدين والطاعة شيئا فيجوز إخراجه من ظاهر التنزيل . فلذلك قلنا إنه عنى بقوله : { اصْبِرُوا } الأمر بالصبر على جميع معاني طاعة الله فيما أمر ونهى ، صعبها وشديدها ، وسهلها وخفيفها . { وَصَابِرُوا } يعني : وصابروا أعداءكم من المشركين .

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن المعروف من كلام العرب في المفاعلة ، أن تكون من فريقين ، أو اثنين فصاعدا ، ولا تكون من واحد إلا قليلاً في أحرف معدودة ، وإذ كان ذلك كذلك ، فإنما أمر المؤمنون أن يصابروا غيرهم من أعدائهم ، حتى يظفرهم الله بهم ، ويعلي كلمته ، ويخزي أعداءهم ، وأن لا يكن عدوّهم أصبر منهم . وكذلك قوله { وَرَابِطُوا } معناه : ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم من أهل الشرك في سبيل الله . وأرى أنّ أصل الرباط : ارتباط الخيل للعدوّ ، كما ارتبط عدوّهم لهم خيلهم ، ثم استعمل ذلك في كل مقيم في ثغر ، يدفع عمن وراءه من أراده من أعدائهم بسوء ، ويحمي عنهم من بينه وبينهم ، ممن بغاهم بشرّ كان ذا خيل قد ارتبطها ، أو ذا رُجْلة لا مركب له .

وإنما قلنا : معنى { وَرَابِطُوا } : ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم ، لأن ذلك هو المعنى المعروف من معاني الرباط . وإنما توجه الكلام إلى الأغلب المعروف في استعمال الناس من معانيه دون الخفيّ ، حتى يأتي بخلاف ذلك ما يوجب صرفه إلى الخفيّ من معانيه حجةٌ يجب التسليم لها من كتاب أو خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو إجماع من أهل التأويل .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } .

يعني بذلك تعالى ذكره : واتقوا الله أيها المؤمنون ، واحذروه أن تخالفوا أمره ، أو تتقدّموا نهيه ، { لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } يقول : لتفلحوا فتبقوا في نعيم الأبد ، وتنجحوا في طلباتكم عنده . كما :

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في قوله : { وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } : واتقوا الله فيما بيني وبينكم لعلكم تفلحون غدا إذا لقيتموني .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (200)

{ يا أيها الذين آمنوا اصبروا } على مشاق الطاعات وما يصيبكم من الشدائد . { وصابروا } وغالبوا أعداء الله بالصبر على شدائد الحرب وأعدى عدوكم في الصبر على مخالفة الهوى ، وتخصيصه بعد الأمر بالصبر مطلقا لشدته . { ورابطوا } أبدانكم وخيولكم في الثغور مترصدين للغزو ، وأنفسكم على الطاعة كما قال عليه الصلاة والسلام " من الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة " . وعنه عليه الصلاة والسلام " من رابط يوما وليلة في سبيل الله كان كعدل صيام شهر رمضان وقيامه ، لا يفطر ولا ينفتل عن صلاته إلا لحاجة " . { واتقوا الله لعلكم تفلحون . . . } فاتقوه بالتبري عما سواه لكي تفلحوا غاية الفلاح ، أو واتقوا القبائح لعلكم تفلحون بنيل المقامات الثلاثة ، المرتبة التي هي الصبر على مضض الطاعات ومصابرة النفس في رفض العادات ومرابطة السر على جناب الحق لترصد الواردات المعبر عنها بالشريعة ، والطريقة ، والحقيقة . عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة آل عمران أعطي بكل آية منها أمانا على جسر جهنم " . وعنه عليه الصلاة والسلام " من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تجب الشمس " . والله أعلم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (200)

ثم ختم الله تعالى السورة بهذه الوصاة التي جمعت الظهور في الدنيا على الأعداء ، والفوز بنعيم الآخرة ، فحض على الصبر على الطاعات وعن الشهوات ، وأمر بالمصابرة فقيل : معناه مصابرة الأعداء ، قاله زيد بن أسلم ، وقيل معناه : مصابرة وعد الله في النصر ، قاله محمد بن كعب القرظي : أي لا تسأموا وانتظروا الفرج ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «انتظار الفرج بالصبر عبادة »{[3817]} ، وكذلك اختلف المتأولون في معنى قوله { ورابطوا } فقال جمهور الأمة معناه : رابطوا أعداءكم الخيل ، أي ارتبطوها كما يرتبطها أعداؤكم ، ومنه قوله عز وجل : { ومن رباط الخيل }{[3818]} ، وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة{[3819]} ، وقد كتب إليه يذكر جموع الروم ، فكتب إليه عمر : أما بعد ، فإنه مهما نزل بعبد مؤمن شدة ، جعل الله بعدها فرجاً ، ولن يغلب عسر يسرين{[3820]} ، وأن الله تعالى يقول في كتابه : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا } الآية ، وقد قال أبو سلمة بن عبد الرحمن{[3821]} : هذه الآية هي في انتظار الصلاة بعد الصلاة ، ولم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ، واحتج بحديث علي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وأبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ألا أدلكم على ما يحط الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطى إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط ){[3822]} .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

والقول الصحيح هو أن الرباط هو الملازمة في سبيل الله أصلها من ربط الخيل ، ثم سمي كل ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطاً ، فارساً كان أو راجلاً ، واللفظة مأخوذة من الربط ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : فذلك الرباط إنما هو تشبيه بالرباط في سبيل الله ، إذ انتظار الصلاة إنما هو سبيل من السبل المنجية ، والرباط اللغوي هو الأول ، وهذا كقوله : ( ليس الشديد بالصرعة ){[3823]} : كقوله : ( ليس المسكين بهذا الطواف ) {[3824]} إلى غير ذلك من الأمثلة ، والمرابط في سبيل الله عند الفقهاء : هو الذي يشخص إلى ثغر من الثغور ليرابط فيه مدة ما ، قاله ابن المواز ورواه ، فأما سكان الثغور دائماً بأهليهم الذي يعتمرون ويكتسبون هنالك ، وإن كانوا حماة فليسوا بمرابطين{[3825]} .

وقوله : { لعلكم تفلحون } ترجّ في حق البشر .


[3817]:- أخرجه القضاعي عن ابن عمر وعن ابن عباس، "وهو ضعيف"، "الجامع الصغير" 1/366.
[3818]:- من الآية (60) من سورة الأنفال.
[3819]:- هو أبو عبيدة بن الجراح: عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري، مشهور بكنيته، أحد العشرة السابقين إلى الإسلام، هاجر الهجرتين، وشهد بدرا وما بعدها، أرسله صلى الله عليه وسلم مع وفد اليمن ليعلمهم دينهم، وكان فتح أكثر الشام على يده، آخى صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن معاذ، وكان أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: (لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة). توفي سنة: 18 (الإصابة 2/252).
[3820]:- أخرجه الحاكم في مستدركه عن الحسن مرسلا، وهو حسن، (الجامع الصغير 2/364).
[3821]:- هو أبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف الزهري المدني الحافظ، اسمه كنيته، وقيل: اسمه عبد الله، من كبار أئمة التابعين، غزير العلم، ثقة، كان يتفقه ويناظر ابن عباس ويراجعه، روى عن أبيه يسيرا وعن عثمان، وأبي قتادة، وعائشة، وأبي هريرة، وغيرهم، وروى عنه سالم أبو النضر، وأبو الزناد، والزهري، ويحيى بن سعيد، وغيرهم، توفي سنة 94، وقيل: 104.
[3822]:- أخرجه ابن المبارك، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في "شعب الإيمان" من طريق داود قال: قال أبو سلمة. وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن أبي أيوب وعن أبي سلمة. وأخرجه ابن جرير وابن حبان عن جابر. وأخرجه ابن جرير كذلك عن علي. وأخرجه مالك والشافعي وعبد الرزاق وأحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة، (الدر المنثور 2/114. وابن كثير 1/444).
[3823]:- أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري، ومسلم عن أبي هريرة، وهو صحيح. (الجامع الصغير 2/ 388).
[3824]:- أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي عن أبي هريرة، وهو صحيح، (الجامع الصغير 2/ 389).
[3825]:- وردت أحاديث صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في فضل المرابطة في ثغور المسلمين، وحمايتها من الكفار- فقد روى البخاري (6/63) عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها). وروى الإمام أحمد عن فضالة بن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر). ورواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي: حسن صحيح.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (200)

ختمت السورة بوصاية جامعة للمؤمنين تجدّد عزيمتهم وتبعث الهمم إلى دوام الاستعداد للعدوّ كي لا يثبّطهم ما حصل من الهزيمة ، فأمَرَهم بالصبر الذي هو جماع الفضائل وخصال الكمال ، ثم بالمصابرة وهي الصبر في وجه الصابر ، وهذا أشدّ الصبر ثباتاً في النفس وأقربه إلى التزلزل ، ذلك أنّ الصبر في وجه صابرٍ آخر شديد على نفس الصابر لما يلاقيه من مقاومة قِرن له في الصبر قد يساويه أو يفوقه ، ثم إنّ هذا المصابر إن لم يثبت على صبره حتّى يملّ قرنه فإنّه لا يجتني من صبره شيئاً ، لأنّ نتيجة الصبر تكون لأطول الصابرين صبراً ، كما قال زُفر بن الحارث في اعتذاره عن الانهزام :

سَقَيْنَاهُم كَأساً سقَوْنا بِمِثْلِها *** ولكنَّهم كانوا على الموت أَصْبَرا

فالمصابرة هي سبب نجاح الحرب كما قال شاعر العرب الذي لم يعرف اسمه :

لا أنت معتادُ في الهيجا مُصابَرةٍ *** يَصْلى بها كلّ من عاداك نيراناً

وقوله : { ورابطوا } أمر لهم بالمرابطة ، وهي مفاعلة من الرّبْط ، وهو ربط الخيل للحراسة في غير الجهاد خشية أن يفجأهم العدوّ ، أمر الله به المسلمين ليكونوا دائماً على حذر من عدوّهم تنبيهاً لهم على ما يكيد به المشركون من مفاجأتهم على غِرّة بعد وقعة أُحُد كما قدّمناه آنفاً ، وقد وقع ذلك منهم في وقعة الأحزاب فلمّا أمرهم الله بالجهاد أمرهم بأن يكونوا بعد ذلك أيقاظاً من عدوّهم . وفي كتاب الجهاد من « البخاري » : بابُ فضل رباط يوم في سبيل الله وقول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا } إلخ . وكانت المرابطة معروفة في الجاهلية وهي ربط الفرس للحراسة في الثغور أي الجهات التي يستطيع العدوّ الوصول منها إلى الحيّ مثل الشعاب بين الجبال . وما رأيت مَن وصف ذلك مثل لبيد في معلّقته إذ قال :

ولَقد حَمَيْتُ الحَيّ تَحْمِل شِكَّتي *** فُرُط وِشَاحِي إذْ غَدَوْتُ لجامُها

فَعَلَوْتُ مُرْتَقَبَا على ذي هَبْوَةٍ *** حَرِج إلى إعلامهن قَتَامُـــها

حَتَّى إذا ألْقَتْ يداً في كافــر *** وأجَنّ عَوْرَاتِ الثُّغورِ ظلامُها

فذكر أنّه حرس الحيّ على مكان مرتقَب ، أي عال بربط فرسه في الثغر . وكان المسلمون يرابطون في ثغور بلاد فارس والشام والأندلس في البَرّ ، ثم لمّا اتّسع سلطان الإسلام وامتلكوا البحار صار الرباط في ثغور البخار وهي الشطوط التي يخشى نزول العدوّ منها : مثل رباط المنستير بتونس بإفريقية ، ورباط سلا بالمغرب ، ورُبط تونس ومحارسها : مثل مَحْرس علي بن سالم قرب صفاقس . فأمر الله بالرباط كما أمر بالجهاد بهذا المعنى وقد خفي على بعض المفسّرين فقال بعضهم : أراد بقوله : { ورابطوا } إعداد الخيل مربوطة للجهاد ، قال : ولم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم غزو في الثغور . وقال بعضهم : أراد بقوله : { ورابطوا } انتظار الصلاة بعد الفراغ من التي قبلها ، لما روى مالك في « الموطأ » ، عن أبي هريرة : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ذكر انتظار الصلاة بعد الصلاة ، وقال : " فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط " ونُسب هذا لأبي سلمة بن عبد الرحمن . قال ابن عطية : والحقّ أن معنى هذا الحديث على التشبيه ، كقوله : " ليس الشديد بالصرعة " وقوله : " ليس المسكين بهذا الطّواف الذي تردّه اللقمة واللقمتان " ، أي وكقوله صلى الله عليه وسلم " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " .

وأعقب هذا الأمر بالأمر بالتقوى لأنّها جماع الخيرات وبها يرجى الفلاح .