{ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } عن محمد ابن كعب القرظي : اصبروا على دينكم وصابروا على الوعد الذي وعدتكم ورابطوا عدوي وعدوكم حتى يترك دينه لدينكم ؛ وعن زيد بن أسلم : صبروا على الجهاد وصابروا عدوكم ورابطوا على عدوكم ، ومما يقول أبو جعفر ابن محمد الطبري : عنى بقوله : { اصبروا } الأمر بالصبر على جميع معاني طاعة الله فيما أمر ونهى ، صعبها وشديدها ، وسهلها وخفيفها ؛ { وصابروا } يعني : وصابروا أعداءكم من المشركين . لأن المعروف من كلام العرب في المفاعلة أن تكون من فريقين أو اثنين فصاعدا ولا تكون من واحد إلا قليلا . . . وإذ كان ذلك كذلك فإنما أمر المؤمنون أن يصابروا غيرهم من أعدائهم حتى يظفرهم الله بهم ، ويعلي كلمتهم ويخزي أعداءهم ، وإلا يكن عدوهم أصبر منهم ؛ وكذلك قوله { ورابطوا } معناه : ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم من أهل الشرك في سبيل الله ؛ وأرى أن أصل الرباط : ارتباط الخيل للعدو كما ارتبط لهم عدوهم لهم خيلهم ثم استعمل ذلك في كل مقيم في ثغر يدفع عمن وراءه من أراده من أعدائهم بسوء : ويحمي عنهم من بينه وبينهم ممن بغاهم بشر كان ذا خيل قد ارتبطها ، أو ذا رجلة لا مركب له . 1ه .
يقول علماء الأحكام : المرابط في سبيل الله هو الذي يشخص إلى ثغر من الثغور ليرابط فيه مدة ما ، وأما سكان الثغور دائما بأهلهم الذين يعمرون ويكتسبون هنالك فهم وإن كانوا حماة فليسوا بمرابطين ، وقال بعضهم للرباط حالتان : حالة يكون الثغر مأمونا منيعا يجوز سكناه بالأهل والولد ، وإن كان غير مأمون جاز أن يرابط فيه بنفسه إن كان من أهل القتال ، ولا ينقل إليه الأهل والولد لئلا يظهر العدو فيسبي ويسرق والله أعلم . في صحيح البخاري عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( رباط يوم في سبيل الله خير عند الله من الدنيا وما فيها ) وفي صحيح مسلم عن سلمان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان ){[1286]} ؛ وفي هذا دليل على أن الرباط أفضل الأعمال الذي يبقى ثوابها بعد الموت{[1287]} ، كما جاء في فضل الرباط حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري في صحيحه قال : قال رسول الله صلى الله عيه وسلم ( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة{[1288]} إن أعطى رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش{[1289]} طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة {[1290]} وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع ) والأحاديث في ذلك كثيرة {[1291]} ، { واتقوا الله لعلكم تفلحون } توقوا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة بما أمرتم به من الصبر والمصابرة والمرابطة كي تسلموا مما منه هربتم وتدركوا أفضل ما طلبتم .
ومما صح في فضل هذه السورة الكريمة : ما روى الإمام مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان الكلابي قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران -وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد ، قال كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق{[1]} أو كأنهما حزقان{[2]} من طير صواف تحاجان عن صاحبهما ) . وأخرج أيضا عن أبي أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان{[3]} أو كأنهما غيايتان{[4]} أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة ) قال معاوية{[5]} : وبلغني أن البطلة : السحرة . وفي فضل خواتيمها جاءت الأحاديث النبوية الشريفة ومن أجمعها ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن عائشة من طريق عطاء ؛ وما جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.